للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليت شعري، أية فائدة حقيقية تجنيها فرنسا من وراء هذه الحرب؟ وأي مغنم تكسبه منها؟ نحن نعرف الجواب الصحيح.

إن الفوائد من هذه الحرب لا تعود إلى فرنسا كدولة، وإلى الفرنسيين كأمة، ولا تعود إلى التاريخ الفرنسي بصفحات زاهرة بالفخر، مشرقة بالمجد، وإنما تعود إلى طائفة مخصوصة يسمونها ظلمًا "المعمرين"، وهي التي خربت الجزائر وتوشك أن تخرب فرنسا وتأتي بنيانها من القواعد لجشعها وأنانيتها وحرصها على جمع المادة.

هذه الطائفة تعد بضع مئات من الآلاف، منهم سبعون في المائة أجانب عن فرنسا لا يبالون أماتت فرنسا أم عاشت، لأنهم ليسوا منها في الصميم، وإنما هم أوزاع من طليان وأسبان وكورسيين ومالطيين، جاءت فرنسا بأجدادهم من مطارح البؤس والفقر، وغرستهم في أرض الجزائر من حيث اقتلعت الجزائريين، وأفاضت عليهم النعم، وسهلت لهم وسائل الاستثمار، ودللتهم كما يدلل وحيد أبويه، ففي سبيل هؤلاء ونزولًا عند مرضاتهم ومطامعهم التي لا حد لها تسوق فرنسا على الجزائريين الأصلاء مع مطلع كل شمس الجيوش الجرارة وتملأ عليهم البر والبحر والجو، وتنفق المليارات من الفرنكات في كل يوم، وتستجدي المعونة الذليلة من الدول العظيمة، وتعطل الواجبات عليها لحلف الأطلسي وهو السبيل الوحيد لوجودها وبقائها.

ولو كانت هذه الحرب لما هو الأصل من مذاهب الاستعمار وهو المحافظة على الأسواق التجارية التي تعود على فرنسا نفسها بالفوائد، لوجدت لنفسها عذرًا في العالم الاستعماري المتهافت المتداعي البناء، ولكن الشعب الجزائري المسلم العربي هو المستهلك وهو العميل الدائم للتجارة الفرنسية، وهو الذي يدفع للخزينة الحكومية أكثر من ثلاثة أرباع ما يعمرها من مال، فإذا كانت فرنسا تعمل على إبادته في سبيل إرضاء هذه الطائفة المستغلة من المعمرين فهذا أكبر دليل على أنها سفيهة لا تعمل لمصلحتها.

إن هذه الطائفة- طائفة المعمرين- لا تكنّ لفرنسا أي حب ولا تدين لها بالولاء، ولا تشعر بشيء من الارتباط بها إلّا بورقة الجنسية الفرنسية، فالطلياني يشعر في الصميم أنه غريب عن فرنسا، ويعتز بجنسيته الاصلية، ويتألم لألم أبناء جنسه الأصلي، ويفزع إليهم في الملمات علنًا، لا يكتم عواطفه ولا يتستر بها، وفي الحرب العالمية الأخيرة أعلن الطليان من هذه الطائفة ارتباطهم القلبي بإيطاليا وعواطفهم مع المحور، حتى بعد إعلان إيطاليا الحرب على فرنسا، وكل ما فعلت فرنسا أنها وضعت الجالية الايطالية تحت الحراسة إلى أن انتهت الحرب، وكذلك حال الأسبان المتوطنين بالجزائر في أيام الحرب الأهلية بين فرانكو والجمهوريين، فقد كان المعمرون الأسبان في مقاطعة وهران يعاونون فرانكو جهارا بالمال

<<  <  ج: ص:  >  >>