للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء الإخوان هم السابقون الأولون في هذا الميدان، فلنأخذ عنهم ولنقلّدهم ولنتّبع خطواتهم في التعريب من غير أن نقصر التقصير الشائن، أو نندفع الاندفاع المتهوّر أو نتبعهم في ما أخطأوا فيه، أو نتساهل في ما تساهلوا فيه، فإن المتأخر متعقب، وعسى أن يرزقنا الله صوابًا نكون به قدوة لمن بعدنا، ومرجعًا لمن سبقنا، فإن الحق لا يتقيّد بزمان ولا بوطن.

أيها الإخوان المؤتمرون:

هذا كله في التعريب المستعجل، كالتهنئة التي تقدّم للضيف قبل حضور القِرَى، أما ما يلزم بعد هذا من إعداد واستعداد، فيلقى كله على كاهل المدرسة الابتدائية وتلامذتها، فالألف المهملة التي يلغو بها صبياننا في كتاتيبهم وأكواخهم وملاعبهم هي مفتاح التعريب الواسع.

يجب في هذا المضمار أن تتلاقى الجهود على تعريب المدرسة الابتدائية وتعريب أبنائها، وتعريب التعليم، وتوحيد أساليبه، وكتبه، في جميع المراحل طبقًا للروح العربية، وانتقاء الكتب هو أساس التعريب، وخصوصًا في المرحلة الابتدائية التي هي مرحلة التكوين اللغوي، ويجب إدخال متن اللغة في هذه المرحلة على طريقة ابن سيده في "كتاب المخصّص"، وصوره المصغّرة ككتاب "كفاية المتحفظ" للاجدابي، و"الألفاظ الكتابية" للهمداني، وطريقة ابن سيده هي ترتيب الألفاظ اللغوية على المعاني لا على الحروف الهجائية، وأحسن كتب الدراسة للصغار هما: "كفاية المتحفظ"، و"الألفاظ الكتابية"، يبدأ التلميذ في معرفة أسماء أعضاء جسمه في اللغة الفصيحة ومعرفة ما هو منسوب إليها من الأعمال، وكل ما هو متصل بها، ثم يتدرج إلى معرفة الأشياء المتصلة به مما يقع تحت نظره ويدخل في تصرفاته اليومية، فلا ينتهي من هذه المرحلة إلا وهو حافظ لجزء كبير من اللغة، ومحسن للتصرف فيه من دراسته "للألفاظ الكتابية" للهمداني، وأنا لا أعني الكتابين بعينهما، بل يجب أن تؤلّف لهذه المرحلة كتب لغوية صغيرة، على غرار الكتابين اللذين مثّلت بهما، إذ هما من أثمن ما ترك لنا سلفنا من الكتب الموضوعة لتربية ملكة اللغة العربية في الصغار، وتقرّب انطباعهم على لغتهم من طريق سهل طبيعي لا عوج فيه، ويجب حمل التلامذة على التكلّم بالعربية الفصحى ما داموا في المدرسة، وتدريجهم على الكلمات السهلة، ثم الجمل الفصيحة، ثم التراكيب الجارية على القوانين العربية، فلا يجاوزون مرحلة التعليم الابتدائي إلا وهم عرب "صغار". ومن الحكمة في هذه المرحلة أَلَّا ينطق المعلمون أمامهم بكلمة أعجمية حتى لا تخدش ملكاتهم، فإن كلمة واحدة قد تفسد كل عمل.

ومن العجيب أن التعليم الأوربي اليوم يسلك في تعليم اللغات مسلكًا قريبًا من طريقة الاجدابى والهمداني.

<<  <  ج: ص:  >  >>