للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدجوي حضرت درسه في البلاغة، والشيخ عبد الغني محمود، والشيخ السمالوطي، حضرت لكليهما درسًا في المسجد الحسيني، والشيخ سعيد الموجي ذكر لي أن له سندًا عاليًا في رواية الموطأ، فطلبت أن أرويها عنه بذلك السند وحضرت مجالسه بجامع الفاكهاني مع جمهور من الطلبة، وتوليت قراءة بعض الموطأ عليه من حفظي، وحضرت عدة دروس في دار الدعوة والإرشاد التي أسّسها الشيخ رشيد رضا في منيل الروضة، وزرت شاعر العربية الأكبر أحمد شوقي وأسمعته عدة قصائد من شعره من حفظي فتهلّل- رحمه الله- واهتزّ، كما اجتمعت بشاعر النيل حافظ إبراهيم في بعض أندية القاهرة وأسمعته من حفظي شيئًا من شعره كذلك.

____

المرحلة الثالثة:

____

خرجت من القاهرة قاصدًا المدينة المنوّرة، فركبت البحر من بور سعيد إلى حيفا، ومنها ركبت القطار إلى المدينة، وكان وصولي إليها في أواخر سنة ١٩١١، واجتمعت بوالدي- رحمه الله- وطفت بحلق العلم في الحرم النبوي مختبرًا، فلم يرق لي شيء منها، وإنما غثاء يلقيه رهط ليس له من العلم والتحقيق شيء، ولم أجد علمًا صحيحًا إلا عند رجلين هما شيخاي: الشيخ العزيز الوزير التونسي، والشيخ حسين أحمد الفيض أبادي الهندي، فهما- والحق يقال- عالمان محققان واسعا أفق الإدراك في علوم الحديث وفقه السنة، ولم أكن راغبًا إلا في الاستزادة من علم الحديث، رواية ودراية، ومن علم التفسير، فلازمتهما ملازمة الظلّ، وأخذت عن الأول الموطأ دراية، ثم أدهشني تحقيقه في بقية العلوم الإسلامية، فلازمت درسه في فقه مالك، ودرسه في التوضيح لابن هشام، ولازمت الثاني في درسه لصحيح مسلم، وأشهد أني لم أَرَ لهذين الشيخين نظيرًا من علماء الإسلام إلى الآن، وقد علا سني، واستحكمت التجربة، وتكاملت الملكة في بعض العلوم، ولقيت من المشايخ ما شاء الله أن ألقى، ولكنني لم أَرَ مثل الشيخين في فصاحة التعبير ودقة الملاحظة والغوص عن المعاني واستنارة الفكر، والتوضيح للغوامض، والتقريب للمعاني القصية. ولقد كنت لكثرة مطالعاتي لكتب التراجم والطبقات قد كوّنت صورة للعالم المبرز في العلوم الإسلامية، منتزعة مما يصف به كتاب التراجم بعض مترجميهم، وكنت أعتقد أن تلك الصورة الذهنية لم تتحقق في الوجود الخارجي منذ أزمان، ولكنني وجدتها محقّقة في هذين العالمين الجليلين، وقد مات الشيخ الوزير بالمدينة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أما الشيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>