للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسين أحمد فقد سلّمه الشريف حسين بن علي إلى الإنجليز في أواخر ثورته المشؤومة، فنفوه إلى مالطة، ثم أرجعوه إلى وطنه الأصلي (الهند) وعاش بها سنين وانتهت إليه رئاسة العلماء بمدينة العلم (ديويند)، ولما زرت باكستان للمرّة الأولى سنة ١٩٥٢ ميلادية كاتبته فاستدعاني بإلحاح إلى زيارة الهند ولم يقدّر لي ذلك، وفي هذه العهود الأخيرة بلغتني وفاته بالهند.

وأخذت أيام مجاورتي بالمدينة علم التفسير عن الشيخ الجليل إبراهيم الاسكوبي، وكان ممن يشار إليهم في هذا العلم مع تورّع وتصاون هو فيهما نسيج وحده.

وأخذت الجرح والتعديل وأسماء الرجال عن الشيخ أحمد البرزنجي الشهرزوري في داره أيام انقطاعه عن التدريس في الحرم النبوي، وكان من أعلام المحدثين، ومن بقاياهم الصالحة.

وأخذت أنساب العرب وأدبهم الجاهلي، والسيرة النبوية عن الشيخ محمد عبد الله زيدان الشنقيطي، وهو أعجوبة الزمان في حفظ اللغة العربية وأنساب العرب، وحوادث السيرة.

وأتممت معلوماتي في علم المنطق عن الشيخ عبد الباقي الأفغاني بمنزله، وكان رجلًا مسنًّا منقطعًا عن أسباب الدنيا، قرأت عليه الحكمة المشرقية، وكان قيّمًا عليها، بصيرًا بدقائقها.

وذاكرت صاحبنا الشيخ أحمد خيرات الشنقيطي سنين عديدة في اللغة والشعر الجاهلي، ومنه المعلّقات العشر، وصاحبنا محمد العمري الجزائري، أمهات الأدب المشهورة خصوصًا الكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، فقد ختمناهما مطالعة مشتركة فاحصة متأنية، وكذلك فعلنا بكتاب الأغاني من أوله إلى آخره.

وبالجملة فقد كانت إقامتي بالمدينة المنوّرة أيام خير وبركة عليّ، فكنت أنفق أوقاتي الزائدة في إلقاء دروس في العلوم التي لا أحتاج فيها إلى مزيد كالنحو والصرف والعقائد والأدب، وكنت أتردّد على المكتبات الجامعة، فلا يراني الرائي إلا في مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت، حتى استوعبت معظم كتبها النادرة قراءة، وفي مكتبة السلطان محمود، وفي مكتبة شيخنا الوزير، وفي مكتبة بشير آغا، أو في مكتبات الأفراد الغاصة بالمخطوطات، مثل مكتبة آل الصافي، ومكتبة رباط سيدنا عثمان، وفي مكتبة آل المدني وآل هاشم، ومكتبة الشيخ عبد الجليل برادة، ومكتبة الوزير التونسي العربي زروق، كما كنت أستعير كثيرًا من المخطوطات الغريبة من أصدقائي وتلامذتي الشناقطة، أذكر منها ديوان غيلان ذي الرمة، فأقرأها وأحفظ عيونها، وقد حفظت في تلك الفترة معظم ديوان ذي الرمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>