للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير من أحكامها وكثير من مفرداتها. ولكنها لم تبتل بداء مثل هذا الداء العقام الذي نسميه الاستعمار، ولو أنصفنا لسميناه الطاعون، فهو الذي ألح عليها عن قصد وتعمد حتى كاد يزهق روحها، لإيقانه بمبلغ تأثيرها في تثبيت الروابط بيننا. ومن بلاء العربية أن هذا الداء تسلط على جميع أقطار العروبة فتمكن من حرب العربية في جميعها بوسائل شيطانية لولا عناية الله وما أودعه فيها من القوّة والمناعة لقضى عليها، ولقد حاربنا على أرضنا وأقواتنا وكل وسائل الحياة عندنا فأفلح، ولكنه حينما حارب لغتنا وتدسس إلى مدب السرائر ومكامن العقائد من نفوسنا باء بالهزيمة، فلا خوف بعد اليوم وقد تنبه رب البيت فخاب اللص، وباء بالفشل والخيبة، وأبرز الأمثلة لحرب الاستعمار للعربية منعه لتعلمها في الجزائر، وحكمه بأنها لغة أجنبية في بلدها، ومنعه للكتب العربية التي تطبع في الشرق العربي من الدخول إلى الجزائر، ما ذلك كله إلّا لغاية واحدة هي إضعافها ثم الإجهاز عليها، وما جرى في الجزائر جرى في غيرها من أقطار العروبة على اختلاف في الشكل، والاستعمار كله ملة واحدة، وأنا ما زلت أتلمح العامل الإلهي لحفظ هذه اللغة، وحفظ الإسلام الذي يحميها وتحميه- أتلمح هذا العامل- في هذه المذاييع التي ينفق عليها الاستعمار أموالًا طائلة لتذيع القرآن بلغته في العواصم الكبرى فتبلغ أطراف العالم في كل ليلة. انه لعمركم انتصار للعربية، وإن كان للاستعمار فيه مآرب أخرى يقصدها أولًا وبالذات، ولكن الدعاية للعربية بعمله هذا حاصل غير مقصود، بل مناقض لقصده.

أيها الإخوة: إن أسرة المجمع أصبحت أسرة عربية لا تخالطها عجمة، ولا يطرق ساحتها دخيل، ولا يداخل نسبتها إقراف ولا هجنة، فلنعمل للغتنا بأنفسنا، ولنسكب عليها عصارة أرواحنا ولنضاعف جهودنا، ولنشدد حيازيمنا، ولنشحذ عزائمنا، ولنوجه كل قوانا لخدمتها والذب عن حرماتها، ولنعلم أنه إن أصابها سوء ونحن عصبة إنا إذن لخاسرون، ولسنا لعدنان ولا لقحطان إن سيمت العربية ضيمًا ونحن حماة ثغورها، ولعل إخواني الأعضاء الجدد يشاركونني في اليقين بأنكم ما أوليتمونا شرف العضوية بهذا المجمع للراحة ولين المهاد، وإنما لنتحمل بهذه العضوية أعباء تستدعي سهر العيون وإنضاء العقول والقرائح ومتاعب التنقيب على ما أودع الأسلاف في هذه الأسفار من كنوز، فلنوطن أنفسنا على ذلك كله برضى واطمئنان، وإنها لصفقة رابحة.

أيها الإخوة: إن اللغة العربية كالدين يحملها من كل خلف عدوله، لينفوا عنها تحريف الغالين، وزيغ المبطلين، وانتحال المؤولين، وأنتم أولئك العدول، فانفوا بجد وإخلاص عن هذه اللغة زيغ المبطلين من هذا الجيل الذين أصبحوا يتنكرون لهذه اللغة ويعفرون في وجهها، وقد فاتهم أن يحصلوا منها على طائل، فأصبحوا يرمونها بالعقم والجمود، وعدم المسايرة لركب الحضارة، ويرتضخون لكنة، لا هي بالعربية ولا هي بالصالحة لأن تخلف

<<  <  ج: ص:  >  >>