للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأدركت من علماء بيتنا جدي لأبي الشيخ عمر الإبراهيمي وعمّي شقيق أبي الأصغر الشيخ محمد المكي الإبراهيمي، وهو الذي تولى تربيتي وتعليمي على طريقة خاصة له في ذلك. ورزقت حافظة عجيبة وذاكرة قوية، فاستغلها عمي في تعليمي؛ فكان يملي عليّ من شعر العرب القدماء والمحدثين، وحفظت القرآن الكريم مع معالم مفرداته وأنا ابن تسع سنين، وحفظت مع ذلك في أثناء هذه المدة المتون المهمة في العلم، وتفقهت وأنا في هذه السن في قواعد النحو والفقه والبلاغة.

وتابع فضيلة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي حديثه قائلًا:

ولما بلغت العشرين سنة من عمري هاجرت إلى المدينة المنوّرة سنة ١٩١١م ملتحقًا بوالدي الذي سبقني بالهجرة سنة ١٩٠٨م، ومررت بالقاهرة فلبثت فيها ثلاثة أشهر أقضي غالب نهاري في التردد على حلقات الدرس بالجامع الأزهر. وحضرت دروس الشيخ عبد الغني محمود في جامع سيدنا الحسين، ودروس الشيخ يوسف الدجوي في الأزهر في البلاغة، ودروس الشيخ نجيب في الرواق العباسي، ودروس الشيخ سعيد الموجي في الموطأ بجامع الفاكهاني.

وزرت أمير الشعراء أحمد شوقي وقرأت عليه قصائد كثيرة من شعره الذي وصل إلينا، كما زرت حافظًا وقرأت عليه بعض ما أحفظه من قصائده، أذكر منها قصيدته اليائية في رثاء مصطفى كامل رحمهم الله أجمعين. ثم سافرت إلى المدينة عن طريق بورسعيد- حيفا- تبوك- المدينة المنورة، واجتمعت بوالدي. واخترت من مشايخ الحرم النبوي أبرعهم في العلم وأعلاهم كَعْبًا فيه، فلزمت واحدًا منهم وهو أستاذي الشيخ محمد العزيز الوزير التونسي، وأخذت عنه الحديث وبعض أمهات النحو وفقه مالك، ولازمته ما يقرب من ست سنوات. وكنت أتردّد على دروس المحدثين مثل الشيخ حسين أحمد الفيض أبادي الهندي والشيخ أحمد البرزنجي وغيرهما وكنت في مدة الطلب ألقي دروسًا منظمة في الأدب واللغة في الحرم النبوي الشريف.

وقال لنا فضيلة العالم الكبير:

ولما قامت الحرب الأولى الكبرى وقامت في أثنائها ثورة الشريف حسين المعروفة أرغمتنا الدولة العثمانية نحن معشر سكان المدينة جميعًا بالخروج إلى دمشق، فانتقلت مع والدي إلى الشام واستوطنت دمشق، واشتغلت بالتعليم الحر في المدارس الحرة، ثم عيّنت رسميًا أستاذًا للآداب العربية في المدرسة السلطانية الأولى وهي أعلى مدرسة في دمشق إذ ذاك. إلى أن انتهت الحرب بقلب الأوضاع وخيبة الآمال واخترت الرجوع إلى الجزائر. واشتغلت بإلقاء دروس متنوعة في العربية والأدب العربي والفقه والحديث والتفسير والتاريخ على طلّاب وجدتهم مستعدين لذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>