للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائريين بالوعي الديني والقومي يفوق ما قدمه غيرهم " (٣).

لقد كان الإمام محمد البشير الإبراهيمي "فخر علماء الجزائر" (٤) - كما وصفه الإمام ابن باديس- في الصف الأول من أولئك العلماء الذين أذنوا في الشعب الجزائري لينهض من سباته، ويأخذ للحياة سلاحها، ويخوض الخطوب لاسترجاع حقوقه، واستعادة استقلاله، والثأر لكرامته.

لا يهون على ذوي المروءة والشمم وأصحاب الكرامة والهمم الانتقال من يسر المعيشة إلى ضنكها، ومن الحرية إلى عكسها إلا هدف سام وغاية نبيلة ومبدأ شريف؛ وذلك هو مثل الإمام الإبراهيمي الذي ترك دمشق- عام ١٩٢٠ - حيث هناءة العيش، واطمئنان الجنب، والوجاهة الاجتماعية، والصدارة العلمية، والحرية النسبية، وعاد إلى الجزائر وهو يعلم أن سيكون في سموم وحميم وظل من يحموم الاستعمار الفرنسي.

لم يرجع الإمام الإبراهيمي ليتفرج على محنة قومه، ويذرف الدمع على مأساة وطنه، ولكنه رجع ليخوض معركة إحقاق حق الجزائر وإزهاق باطل فرنسا، مهما يكلفه ذلك من أتعاب، ويصبه من أوصاب، وينله من عذاب. وقد قدر الإمام ابن باديس لأخيه الإمام الإبراهيمي هذه الوطنية السامية والتضحية الغالية فسارع إلى لقائه بتونس، معبرا بذلك عن حبوره بعودته وسروره برجوعه (٥)

استقر الإمام الإبراهيمي بنواحي سطيف، وكان على يقين أنه مراقب من السلطات الفرنسية، فكان يتحرك بحذر، ويعمل بحكمة، ويتصرف ببصيرة حتى لا يعطي أي مبرر لتلك السلطات لتبطش به، وتجهض مشروعه، خاصة وأن الجزائر كانت محكومة ببقية من قانون "الأنديجينا" الفظيع الذي يعطي الحق لأبسط موظف فرنسي أن يبطش بأي جزائري، ويسلط عليه ما شاء له الهوى من تعذيب أو تغريم أو سجن أو نفي.

كان الإمام الإبراهيمي يراقب الأوضاع ويتحسس درجة الوعي عند مختلف فئات الشعب، وكان يتنقل في البلاد تحصيلا لرزق عياله، واتصالا بشرائح الشعب في المناسبات الاجتماعية والدينية، ولم تنقطع الاتصالات بينه وبين الإمام عبد الحميد بن باديس، فيتبادلان الآراء، ويناقشان المستجدات. وقد ساعد الإمام الإبراهيمي على الحركة عدم


٣) , Alistair Horne: Histoire de la guerre d'Algérie. Traduit de l'anglais par Yves du Guerny ٣٩. Paris, Albin Michel, ١٩٨٠, p٣٩
٤) آثار الإمام عبد الحميد بن باديس، الجزائر، وزارة الشؤون الدينية، ١٩٩٤، ج ٦، - صلى الله عليه وسلم - ١٣٦. ومن المعلوم أن قيمة الوصف والموصوف تعرف من قيمة الواصف.
٥) انظر مقال "الاستعمار الفرنسي في الجزائر" ومقال: "خلاصة حياتي العلمية والعملية" في الجزء الخامس من هذه الآثار.

<<  <  ج: ص:  >  >>