للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتباطه بأية وظيفة، كما ساعده عدمُ انتمائه إلى أية هيئة على اتساع مجال رؤيته وحرية تفكيره. ومن الأدلة على حرص الإمام على أن يكون على بيّنة من الأمور- حتى لا يقفو ما ليس له به علم- حضوره - سنة ١٩٢١ - إحدى جلسات المجلس المالي (٦) بمدينة الجزائر.

إن ذلك الاحتكاك بفئات الشعب المختلفة، وذلك الاطلاع على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية في الجزائر، ومعرفة الأحوال النفسية المهيمنة على أفراد المجتمع؛ كلّ ذلك جعل الإمام الإبراهيمي يرى الوقت غير مناسب لتأسيس "جمعية الإخاء العلمي" التي اقترح الإمام ابن باديس تأسيسها سنة ١٩٢٤ "لأن استعدادنا لمثل هذه الأعمال لم ينضج بعد" (٧)، رغم اقتناعه بجدواها.

إنَّ أهمَّ ما استخلصه الإمامُ الإبراهيمي من ملاحظاته للأوضاع ودراسته لنفسية الشعب الجزائري أنه- الشعب- محكومٌ "بعالَم الأشخاص"- بتعبير الأستاذ مالك بن نبي، فقد كان متعلقًا برجال السياسة لا ببرامجهم وأفكارهم، وكان في الميدان الديني متعلقًا بشيوخ الطرق الصوفية ولو شَرعوا له من الدين ما لم يأذن به الله فمَثَلُ الشعب الجزائري في ذلك العهد كَمَثَل الجاهليين الذين قال قائل يصفهم:

لاَ يَسْأَلُونَ أخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ ... فِي النَّائِبَاتِ عَلى مَا قَالَ بُرْهَانَا

أكدت الملاحظة الدقيقة والدراسة المتأنية للإمام الإبراهيمي ما كان مقتنعًا به من أن الأمة غير المُهَيَّأة لا تتقبل الصالح من الأفكار، كما لا تُنبت الأرض غير المستصلحة الجيِّدَ من البذور، ولا تخرج الطيبَ من الأثمار. وكان مقتنعًا أنه لا شيء يهيئ الأمة للأعمال الجليلة ويُعدُّها للمشروعات العظيمة كنشر العلم، الذي يمحو الجهل، ويطرد الخرافة، ويحرّر العقل، وينجح العمل، ويزكي النفس.

من أجل ذلك سعى الإمام الإبراهيمي إلى إحداث حركة تعليمية بمدينة سطيف، فتمكَّن من فتح مدرسة "لتنشئة طائفة من الشبان نشأة خاصة، وتمرينهم على الخطابة والكتابة وقيادة الجماهير بعد تزويدهم بالغذاء الضروري من العلم " (٨).


٦) هو أعلى المجالس الفرنسية في الجزائر من سنة ١٩٠٠ إلى سنة. ثُلُثا أعضائه فرنسيون وثُلُث من الجزائريين، وهذا المجلس هو الذي يشرف على ميزانية الجزائر ويوزعها بكيفية لا يستفيد منها إلا الأوربيون. وعن حضور الإمام الإبراهيمي جلسة هذا المجلس، انظر مقال "الاستعمار الفرنسي في الجزائر" في الجزء الخامس من هذه الآثار.
٧) انظر مقال "فلسفة جمعية العلماء" في هذا الجزء من الآثار.
٨) انظر مقال: "خلاصة حياتي العلمية والعملية " في الجزء الخامس من هذه الآثار.

<<  <  ج: ص:  >  >>