للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسنرى من نتائج ذلك صحة الأعمال التي تصدر عن تلك الإرادات وتلك العقائد، وسنرى من آثار طهارة النفوس قوّة في الأخلاق وسموًا في التفكير، ونزوعًا إلى الفضائل لأن هذه الأشياء متلازمة لا تنفك بحال.

أصبح المنتسبون إلى الإصلاح ولو من العامة يخلصون لله في عباداتهم وإيمانهم ونذورهم وأدعيتهم، ونبذوا كل ما كانوا عليه من عقد فاسد أو قول مُفْتَرى أو عمل مبتدع في هذه الأبواب كلها، وأصبحوا يفرقون بين السنّة والبدعة والمشروع وغير المشروع ويعتقدون أن الإنسان مجزي بعمله رهين بكسبه، وليست هذه النتيجة بالأمر اليسير وما كنّا- لولا عون الله- لنبلغ هذا الحد من النجاح فيها، ولكن ماذا أنفقنا من الأعمال في هذا السبيل؟ وماذا زرعنا حتى جنينا كل هذا الريع الزاكي؟ الحق ان هذه الآثار الجليلة كلها راجعة إلى المقالات التي نشرتها صحف الإصلاح والدروس والمحاضرات التي ما زال يلقيها دعاة الإصلاح المنتشرون في القطر. ولما كان الحق بينًا في نفسه سهل على الداعين إليه بيانه والاستدلال عليه ونقض الشبهات القائمة حوله وإن اختلفت مراتب المدعوين في سرعة التلقّي بالقبول.

وقد اتضحت الفكرة الإصلاحية في هذا الباب وحفظت مسائلها وعلمت دلائلها حتى أصبح في مقدور كل إنسان بيانها والدعوة إليها لإقامة الحجة عليها، وهذا شأن الحق في كل زمان.

نجحت الجمعية أيضًا في إلفات الأمة إلى القرآن وفي جمعها عليه وحملها على التدبّر في معانيه، لتأخذ منه كل نفس على قدر استعدادها وتستنير من عبره وزواجره ما يسوقها إلى الخير ويزعها عن الشر حتى يكون المؤمن مسوقًا بالقرآن مدبرًا به. وسنرى من تأثير القرآن في النفوس ما يحقّق الأمنية التي تاق إليها حكماء الأمم وأعياهم الوصول إليها، وهي الكمال الروحي من طريق سمو الأخلاق وهي الغاية التي وصل إليها سلفنا وما وصلوا إليها إلا بالقرآن.

وقد كانت هذه الأمة معرضة عن القرآن مشغولة عنه بما لا يفيد، معتقدة فيه العقائد السخيفة مستغنية عن فهمه بحفظه مع تقصيرها في أداء لفظه، مستعيضة عن تلاوته بتلاوة الأوراد والأذكار، وعن دراسته بدراسة كتب جافّة من وضع المخلوق لا تبعث في النفس نشاطًا ولا تنشر في القلوب حياة ولا تغرس في الأفئدة فضيلة، ولا تقتلع منها رذيلة، ولا تشرف على القلوب المظلمة بنور، ولكنها بدأت اليوم ترجع إلى القرآن وتستجلي أنوار الهداية وأسرار الكائنات من آياته، وتأخذ الحياة قوية من تعاليمه، وكأنها برجوعها إلى القرآن تجدد نفسها وتستأنف في الحياة تاريخها، وعسى أن تنتهي من هذه الوجهة الجديدة إلى غايتها، فتنتهي إلى السعادة والخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>