للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأفلحت الجمعية في تبيين السنّة النبوية المحمدية معنى ومفهومًا، وحمل الأمة على الرجوع إليها علمًا وعملًا، والتمسّك بالصحيح الثابت منها فعلًا وتركا، والاهتداء بهدي السلف الذين هم نقلتها وتراجمتها والمؤتمنون على فهمها، والعاملون بها والواقفون عند حدودها، والناشرون لدقائقها والناصرون لحقائقها والمبلغوها سهلة سمحة إلى الأمم على أنها بيان لكتاب الله توالفه ولا تخالفه، وشرح عملي لدين الله يؤيده ولا يعانده، وطريق إلى سعادة الدارين لا يضلّ سالكه، ولا يفلح تاركه، وسلّم موصل إلى الحياة العزيزة الكاملة المبنية على العمل المغذي للهمم والإقدام المغذي للعزائم والقوة التي هي عماد الحياة.

نجحت الجمعية كذلك في نشر سير عظماء الإسلام الحقيقيين الذين قاموا بحمله، والذين قاموا بنشره، والذين قاموا بتمثيل هديه وتطبيق قواعده وأصوله في النفوس بالتزكية والتهذيب، وفي العقول بالتنوير والتأديب، وفي الأمم بالتعليم والرفق والتسوية، وفي الأرض بالتعمير والأمان، وفي الحكم بالعدل والإحسان، وفي الملك بالعزة والقوة.

وإنّ سيرة الواحد من هؤلاء لهي الإسلام كاملًا مجسمًا، وان مثال هؤلاء الرجال هم الذين يجب علينا أن نجلو سيرهم على الناس ونتلو أخبارهم ونتقصاها ونحمل أنفسنا على الاقتداء بهم وتأثر خطاهم في كل شيء، والنفوس تؤخذ بالاحتذاء والمحاكاة أكثر مما تؤخذ بالجِبِلَّة والطبع، وإن أمثال هؤلاء هم عماد التاريخ الإسلامي الذين تبذل الجمعية جهدًا غير قليل في احيائه بهذا الوطن وفي تحبيبه للمسلمين ليبنوا حاضرهم الخرب على ماضيهم العامر وليعلموا أنهم ليسوا عالة على التاريخ، ولا متطفلين على الزمن ولا واغلين على مائدة الحياة، وإن مكانهم من التاريخ- لو عرفوا- هو الصدر، وإن حظهم من الحياة غير منزور، لو أحسنوا كيف يحيون.

ومن العجيب أن الأمم الإسلامية- وهي أغنى الأمم في باب الأسماء العظيمة- كانت وما تزال الكثرة منها تحتفي بأسماء نالت- في جنون من الدهر وعربدة من التاريخ واضطراب في العقل- حظًا من الشهرة بما لا يشرف قدرًا ولا يعلي منزلة ولا يثير ذكرى حية، وأفاضوا على هذه الأسماء صبغة من التقديس وجعلوها معاقد لِأَيْمَانهم واعلامًا لولدانهم، وإننا لنجد في الأسماء الرائجة بيننا ترديدًا فاحشًا لهذه الأسماء المنومة، وقل أن نجد بيننا اسما من الأسماء التي تعد تواريخ مستقلة وبدءًا في الخلق وتجديدًا في الحياة، والتي تثير عند سماعها معاني العزة وذكريات الشرف والرفعة.

ونجحت الجمعية- أيها الإخوان- في إلفات الأنظار إلى شيء لم يكن بيننا منسيًا، وإن كان مجفوًا وهو هذا اللسان العربي الشريف الذي هو قطعة من كياننا

<<  <  ج: ص:  >  >>