للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو شاعر فحل في الفصيح والملحون، يذكّرك بالمعرّي في لزومياته، وأبي الطيب في حكمه وأمثاله، وشوقي في ملاحمه وبدائعه.

أما أسلوبه في الكتابة فمتنوّع بحسب الموضوعات وأحوال المخاطبين والمناسبات، فتخاله أحيانًا ابن بسّام في ذخيرته، أو ابن العميد في إخوانياته، أو الزّيات في لوحاته، وتحسبه في بعض الأحيان محررًا في جريدة يومية، بساطة وواقعية، من غير إسفاف أو حشو أو سوقية، فهو بحق معجزة من معجزات الثقافة العربية الإسلامية والبيان العربي في القرن العشرين.

ومن الأنماط الكتابية التي تكاد تجمع هذه الأساليب كلها رقة وجزالة، وقربًا وسموًا وسطحية وعمقًا، هذه الفقرة عن قضية فلسطين التي تهمّ العرب والمسلمين كلهم على اختلاف مداركهم واهتماماتهم، من أول نكْبَتِها إلى اليوم، وذلك إذ يقول كأنه يخاطبهم في ساعتنا الحاضرة:

"أيها العرب، إن قضية فلسطين محنةٌ امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليست تُنال بالشعريات والخطابيات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والاتحاد والقوّة".

"إن الصهيونية وأنصارها مصمّمون، فقابلوا التصميم بتصميم أقوى منه، وقابلوا الاتحاد باتحاد أمتن منه".

"وكونوا حائطًا لا صَدْع فيه ... وصفًا لا يرقع بالكسالى"

وإلى جانب هذه الثروة الزاخرة، والمهارة الفنية الزاهرة، فهو يَحْيا بإيمان يجعله دائمًا في اهتمام واقعتمام بقضية بلده الكبرى مع الاحتلال الطويل البغيض، وقضايا الأمة العربية الإسلامية المبتلاة كلها بالاحتلال والاستغلال على اختلاف في الدرجات والمظاهر، وقد عبّر عن هذه المعاني في جملتها بعبارات موجزة صارخة مؤثرة الإمامُ الراحل المرحوم الشيخ محمد الغزالي، صديق الجزائر وشريكها في عهد جهادها، في ليل الاستعمار، ومساعِدُها ومنير دربها ومربّي جيلها في عهد الحرية والاستقلال، ومقاسمها آلامها وجروحها في عهد محنتها وفتنتها، إذ يقول رحمه الله:

" ... وأذكر من أولئك الزعماء اللاجئين إلى القاهرة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، عرفتُه، أو تعرّفت إليه، في أعقاب محاضرة بالمركز العام للإخوان المسلمين ... كان لكلماته دوّي بعيد المدى، وكان تمكّنه من الأدب العربي بارزًا في أسلوب الأداء وطريقة الإلقاء، والحق أن الرجل رزق بيانًا ساحرًا، وتأنقًا في العبارة، يذكّرنا بأدباء العربية في أزهى

<<  <  ج: ص:  >  >>