للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عصورها، لكن هذا ليس ما ربطنا به أو شدّنا إليه- على قيمته المعنوية- إنما جذبنا الرجل بإيمانه العميق وحزنه الظاهر على حاضر المسلمين وغيظه المتفجّر ضد الاستعمار، ورغبته الشديدة في إيقاظ المسلمين ليحموا أوطانهم، ويستنقذوا أمجادهم، وخُيّل لي أنه يحمل في فؤاده آلام الجزائريين كلهم وهم يكافحون الاستعمار الفرنسي، ويقدمون المغارم سيلًا لا ينقطع حتى يحرّروا أرضهم من الغاصبين الطغاة، وكان في خطبته يزأر كأنه أسد جريح، فكان ينتزع الوجل من أفئدة الهيّابين، ويهيّج في نفوسهم الحمية لله ورسوله، فعرفت قيمة الأثر الذي يقول: "إن مداد العلماء يوزن يوم القيامة بدم الشهداء" (١).

من الصفات البارزة التي يعرفها العاملون والعاملات في ميدان التربية والتعليم والوعظ والإرشاد عن إمامهم وقائدهم الإمام الإبراهيمي أنه كان يحنو ويعطف عليهم عطف الأب على أبنائه، ويبذل أقصى ما في وسعه لإرشادهم وتوجيههم إلى أحسن السبل لأداء مهمتهم على الوجه الأكمل، مع حرصه الشديد على حل مشكلاتهم المادية والأدبية مع الجمعيات المحلية القائمة بشؤون المدارس والمساجد والنوادي، والدفاع عن كرامتهم وحقوقهم أمام السُّلَط الاستعمارية الباغية.

وكان آخر واجب أدّاه هذا الأب الشفوق نحو أبنائه والقائد الأمين نحو جنده حرصه على أن ينالوا حقوقهم- في عهد الاستقلال- من دولتهم التي كانوا في طليعة بناة أركانها، وذلك بتولّيه- عام ١٩٦٤ - رئاسة اللجنة الوطنية لإدراج الأساتذة والمعلمين الأحرار في سلك الأسرة التعليمية الكبرى للتمتعّ بجميع ما يمنحه قانون الوظيفة العمومية من حقوق للموظفين المرسمين، ماديًا وأدبيًا. وتمكّن بهذا الإجراء العادل عدد كبير من المعلمين والمربين والمرشدين الأحرار من أخذ حقوقهم كاملة، وكانت شهادات الحصول على هذه الحقوق موقعة كلها بتوقيع الإمام الإبراهيمي. وقد سجّل هذه المكرمة الوطنية في إبانها، الكاتب، الشاعر الأستاذ المرحوم حمزة بوكوشة بقصيدة عنوانها "نصر وفتح"، إذ يقول:

نصرٌ به استبشرتْ في الخلد قحطان ... وهنّأت تَغْلِبًا في العرب عدنان

فتْحٌ به الدين والفصحى قد ارتفعا ... فوق السماك، وقبل اليوم قد هانوا

كان الجزاءَ لمن وفوا بعهدهمُ ... إن الوفاء لدين الله قربان

لفتية كسيوف الهند مصلتة ... لا يُعقَد العز إلا حيثما كانوا

ففي النوادي لهم ذكرى وموعظة ... وفي المساجد تذكير وقرآن

وفي المدارس تعليم وتربية ... لِصِبْيَةٍ حظهم علم وإيمان

فهم رصيد به كانت جزائرنا ... -رغم الزواج- لم يضعف لها شان


١) مجلة الثقافة الجزائرية، ع ٨٧، مايو- يونيو ١٩٨٥. وانظر مقدمة الجزء الرابع من هذه الآثار.

<<  <  ج: ص:  >  >>