للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهَا أَطْرَافَ الْحَدِيثِ عَنْ هَذِهِ الزَّلَّةِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا، فَرَادٌّ وَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَسَائِلٌ وَمُجِيبٌ وَهَاجِمٌ وَدَافِعٌ، وَبَانٍ وَهَادِمٌ، وَتَنْعَقِدُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مُنَاسَبَاتٌ وَأَشْبَاهُ مُنَاسَبَاتٍ، فَتَتَوَالَدُ مِنْ بَيْنِهَا أَغْرَاضٌ فِي الْأَدَبِ، وَمَنَاحٍ فَي النَّقْدِ وَخَبَايَا الْأَنْفُسِ وَالطَّبَائِعِ، وَقَدْ أَلْبَسَ الشَّيْخُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ لَبُوسًا خَاصًا فِي كُلِّ مَا نَحَلَهُ مِنْ قَولٍ، وَسَلَكَ بِهِ مَسْلَكًا خَاصًّا لَمْ يَحِدْ عَنْهُ عَلَى طُولِ الرِّوَايَةِ. نَظَمَ الشَّيْخُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَتَخَيَّلَ مَعَانِيَهَا فِي أَوْقَاتٍ مُتَضَارِبةٍ، كَانَتِ الْوَحْشَةُ وَالْمَلَلُ أَلْزَمَ صِفَاتِهَا، فَجَعَلَهَا مِذَبَّةً لِلْوَحْشَةِ، وَمَجْلَبَةً لِلْأُنْسِ وَأَدَاةً لِلتَّسْلِيَةِ. الثَّلَاثَةُ هُمْ: الشَّيْخُ السَّعِيدُ بْنُ حَافِظٍ مُدِيرُ مَدْرَسَةِ التَّرْبِيَّةِ وَالتَّعْلِيمِ الحُرَّةِ بِقَسَنْطِينَةَ، وَالْأُسْتَاذَانِ: عَبْدُ الْحَفِيظِ الْجَنَّانِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَابِدِ (الجَلَّالِي)، الْمُعَلِّمَانِ بِهَا، وَشَيْخُهُمْ هُوَ مُؤَلِّفُ الرِّوَايَةِ.

كَانَتِ الْفِكْرَةُ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَيْهَا الرِّوَايَةُ أَنَّهُ لَا سَبَبَ لِانْقِطَاعِ الثَّلَاثَةِ وَجَفَائِهِمْ لِلشَّيْخِ إِلَّا الْفَرَنْكُ، أَعْنَي قِيمَةَ طَابَعِ الْبَرِيدِ الَّذِي يَحْمِلُ الرِّسَالَةَ إِلَيهِ، وَهُوَ لَا يَطْمَعُ مِنْهُمْ فَي أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الصِّلَةِ، وَهُوَ فِي مِحْنَتِهِ الَّتِي هُوَ بِهَا أَحْوَجُ إلَى الْمُقَوِّيَاتِ الرُّوحِيَّةِ مِنْهُ إِلَى الْمُقَوِّمَاتِ الْمَادِّيَّةِ، وَكَانَ يَبْلُغُهُ عَنْهُمْ مَا يَعْتَقِدُهُ فِيهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ- وَهُمْ بِحُكْمِ وَظِيفَتِهِمْ مُجْتَمِعُونَ دَائِمًا- الْحَدِيثَ عَنْهُ وَالشَّوْقَ إِلَيْهِ، وَيَضِيقُونَ ذَرْعًا بِالرِّسَالَةِ مِنْهُ يَأْتِي لِغَيْرِهِمْ.

وَلَكِنَّهُمْ إِذَا حُدِّثُوا بِالْكِتَابَةِ إِلَيْهِ، أَوْ حَدَّثَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، جَمَدَتِ الْعَوَاطِفُ وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّ الرِّيقُ، وَانْتَصَبَ خَيَالُ الْفَرَنْكِ اللَّعِينِ، فَقَضِى عَلِى كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يَتَأَلَّمُونَ تَأَلُّمًا نَفْسَانِيًّا، وَتَخِزُهُمْ ضَمَائِرُهُمْ، وَلَكِنْ شَبَحُ الْفَرَنْكِ يَمْسَحُ كُلَّ ذَلِكَ مَسْحَةَ السُّلُوِّ.

كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ كَاتِبٌ، فَلَا تُعْطِي عَمَلِيَّةُ السَّبْرِ عِنْدَ الْاُصُولِيِّينَ إِلَّا عِلَّةً وَاحِدَةً لِهَذَا الْجَفَاءِ وَهَذَا الْجَفَافِ، وَهِيَ (الْفَرَنْكُ)، وَيَطُولُ الْأَمَدُ فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُحِسُّ بِلُصُوقِ هَذَا الْعَارِ، وَقُبْحِ أَثَرِهِ، هُوَ الْمُدِيرُ، وَيَرَى أَنَّ الْعَارَ لَحِقَ الثَّلَاثَةَ مُشْتَرِكِينَ، فَيَجِبُ أَنْ يَغْسِلُوهُ مُشْتَرِكيِنَ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ كَانُوا وَمَا زَالُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ أَمْرينِ: حُبِّ الشَّيْخِ، وَحُبِّ الْفَرَنْكِ، فَلْيَجْتَمِعُوا لِيُرَجِّحُوا أَحَدَ الْحُبَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَيَكْتُبُ اسْتِدْعَاءً إِلَى رَفِيقَيْهِ لِلْحُضُورِ وَالْمُفَاوَضَةِ فِي هَذَا الشَّأْنِ الْخَطِيرِ.

وَفِي هَذَا الاِسْتِدْعَاءِ مَخَايِلُ مِنْ تَنَطُّعِ الْإِدَارِيِّينَ وَغَطْرَسَةِ الْمُدِيرِينَ وَسَخَافَةِ الْمُعَلِّمِينَ وَيَصِلُ الاِسْتِدْعَاءُ إِلَى الرَّفِيقَيْنِ مُجْمَلًا، لَا بَيَانَ فِيهِ لِغَرَضٍ، إِلَّا تَهْوِيلًا وَتَطْوِيلًا فَأَلْهَمَهُمَا سِرُّ الْفَرَنْكِ، أَنَّ فِي هَذَا الْجَمْعِ شَرًا سَيَذْهَبُ بِفَرَنْكٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، أَوْ بِأَبْعَاضِهِ وَأَجْزَائِهِ، وَهُمْ يَحْفَظُونَ مِنْ تَفَارِيقِ الْأَدَبِ قَوْلَ الْأَعْرَابِي لِابْنَتِهِ: (الدِّرْهَمُ عُشُرُ الْعَشَرَةِ، وَالْعَشْرَةُ عُشُرُ الْمِائَةِ، وَالْمِائَةُ عُشُرُ الْأَلْفِ، وَالْأَلْفُ عُشُرُ دِيَتِكِ)، وَلِذَلِكَ تَرَاهُمَا عَلَى طُولِ الرِّوَايَةِ حَذِرَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>