للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقِظَيْنِ لِمَكَايِدِ الْمُدِيرِ يُوجِسَانِ خِيفَةً مِنْ عَرْضِ الْمَقْصُودِ، وخُصُوصًا ابْنَ الْعَابِدِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِرَفِيقَيْهِ مِنْ بَابِ إِلَى بَابٍ مِنَ الْقَوْلِ، وَيَسْتَطْرِدُ لِيَبْعُدَ بِالْجَلْسَةِ عَمَّا عُقِدَتْ لِأَجْلِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرٌ مِنْهُ، وَغَطْرَسَةٌ وَشَيْطَنَةٌ، وَهُرُوبٌ مِمَّا كَانَ يَتَخَيَّلُهُ مِنَ الشَّرِّ وَمَا الشَّرُّ عِنْدَهُ إِلَّا مَا عَلِمْتَ.

عَقَدُوا الْجَلْسَةَ الْأُولَى، وَخَطَبَ الرَّئِيسُ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ بِصِفَةِ الْبَشِيرِ، لِيُنَبِّهَ الْجَمَاعَةَ إِلَى مَا يُقّرِبُهُمْ مِنَ الْحَقِيقَةِ بَرَاعَةَ اسْتِهْلَالٍ، كَمَا يَرْكَبُهَا النَّظَّامُونَ لِلْمُتُونِ، وَكَمَا يُسَمُّونَهَا، فَجَرَتْ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْهُ إِلَى كَلِمَاتٍ، وَجَاءَتْ مُشْكِلَةُ رِئَاسَةِ الْجَلْسَةِ، فَاحْتَلَّتْ مَكَانَ الْمُشْكِلَةِ (٣)، وَتَبارَى الْأُسْتَاذَانِ فِي الْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ لِلْكَلَامِ، حَتَّى انْتَهَتِ الْجَلْسَةُ الْأُولَى "الطَّوِيَلةُ" بِحَلِّ الْمُشْكِلَةِ الْفَرْعِيَّةِ وَاتَّفَقُوا- بَعْدَ مُحَاوَرَاتٍ وَمُدَاوَرَاتٍ - عَلَى رِئَاسَةِ "الْمُدِيرِ".

وَجَاءَتِ الْجَلْسَةُ الثَّانِيَّةُ، وَالرَّئِيسُ يَحْمِلُ إِحْسَاسًا قَوِيًّا، بِأَنَّهُ لَاقٍ، وَلَا بُدَّ- دُونَ الوُصُولِ إِلَى عَرْضِ الْمَقْصُودِ- عَقَبَاتٍ مِنَ اسْتِطْرَادَاتِ ابْنِ العَابِدِ وَافْتِتانِهِ فِي النَّقْدِ وَالْهُجُومِ وَالْخُرُوجِ. وَأَنَّهُ لَاقٍ أَكْبَرَ مِنْهُمَا، إِذَا هُوَ وَصَلَ إِلَى الْمَقْصُودِ وَعَرَضَ الْقَضِيَّةَ، وَوَقَفَتْ مُشْكِلَةُ الفَرَنْكِ فِي الطَّرِيقِ، وَانْتَهَوْا فِي حَلِّهَا إِلَى طَرْقِ حِمَاهُ (٤)، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الإِنْصَافَ الكَامِلَ يقْتَضِيهِمْ أَنْ يَتَحَمَّلُوهُ أَثْلَاثًا، وَلَكِنَّ الْفَرَنْكَ الْمَلْعُونَ لَا يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةٍ انْقِسَامًا صَحِيحًا، فَمَنْ ذَا يَدْفَعُ الْكُسُورَ "الصَّانْتِيمَاتِ"؟ وَهَذِهِ مُشْكِلَةٌ عَلَى حِدَةٍ. وَالْإِنْصَافُ النَّاقِصُ يَقْتَضِي أَنْ يَدْفَعَ الفَرَنْكَ ابْنُ الْعَابِدِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ أَعْزَبُ، وَهُمَا مُتَأَهِّلَانِ وَلَهُمَا أَطْفالٌ، وَكَانَ الرَّئِيسُ نَفْسُهُ يَتَمَنَّى الْحَلَّ الثَّانِي، وَيَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّانَ لَا يُوَافِقُ بِسُهُولَةٍ عَلَى الْحَلِّ الْأَوَّلِ، بِمَا فِيهِ مِنْ مُشْكِلَةِ الْكُسُورِ، وَأَنَّ ابْنَ الْعَابِدِ لَا يُوَافِقُ عَلَى الْحَلِّ الثَّانِي، فَلْيَلْتَجِئْ إِلَى الْحِلِّ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْإِنْصَافُ الْكَامِلُ، وَتَقُومُ مُشْكِلَةُ الْكُسُورِ. لِذَلِكَ عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِ الْجَلْسَةِ مَسْأَلَةُ "الْصَّوْتَيْنِ" لِلرَّئِيسِ، وَجَعَلَهَا فِي مُقَدِّمَةِ الْأَعْمَالِ، وَانْتَقَلَ مِنْهَا بَعْدَ مَعَاسَرَةِ الْجَمَاعَةِ لَهُ فِيهَا إِلَى أُخْرَى وَهِيَ زِيَادَةُ عُضْوٍ، وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى الرَّفِيقَيْنِ، لِيَتَغَلَّبَ رَأْيَهُ عَلَى رَأْيِهِمَا فِي الْخِلَافِ، وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى الْحَلِّ الْأَوَّلِ كَانَ الْعُضْوُ الرَّابِعُ مُصَحِّحًا لِلِقِسْمَةِ، وَمُزِيلًا لِمُشْكِلَةِ الْكُسُورِ، لِأَنَّ الفَرَنْكَ يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ انْقِسَامًا صَحِيحًا.

وَقَدْ عَاسَرَهُ الرَّفِيقَانِ (وَخُصُوصًا ابْنُ الْعَابِدِ) فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْتَيْنِ، وَزِيَادَةِ العُضْوِ، مُعَاسَرَةً شَدِيدَةً، فَاحْتَالَ عَلَى عَوَاطِفِهِ بِقَصِيدَةٍ قَافِيَةٍ، بَلِيغَةِ الْمَعَانِي، تُؤَثِّرُ عَلَى الْأُدَبَاءِ، أَمْثَالِ ابْنِ الْعَابِدِ، فَلَانَ بَعْدَهَا وَمَالَ إِلَى الْمُيَاسَرَةِ.


٣) فاحتلّت مكانَ المشكلة: يريد بها المشكلة الأصلية وهي مشكلة فَرنْكِ الْمُكَاتبةِ.
٤) ضَمِيرُ حِمَاهُ يَعُودُ عَلَى الفرنكِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>