للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَانْتَهَتْ مَسْأَلَةُ الْعُضْوِ بِمُوَافَقَةٍ تَامَّةٍ بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْقَصِيدَةُ، وَالثَّانِي إِعْلَانُ الرَّئِيسِ لِاسْمِ الْعُضْوِ الْمَزِيدِ، وَاسْمُهُ مَحْبُوبٌ مِنْهُمْ جَمِيعًا، وَقَدْ تَوَسَّمَ الْخَيْرَ فِي ابْنِ الْعَابِدِ، وَطَالَتِ الْجَلْسَةُ، وَتَعَدَّدَتْ مَشَاهِدُهَا، وَضَاقَ ذَرْعُ الْجِنَّانِ بِهَذَا التَّطْوِيِلِ، فَثَارَ ثَائِرَهُ، وَأَسْمَعَ الرَّفِيقَيْنِ قَوَارِصَ التَّأْنِيبِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَلِّهِ، فَقَدْ بَقِيَ الْمَوْضُوعُ سِرًا مَطْوِيًّا فِي صَدْرِ الرَّئِيسِ، يُرِيدُ أَنْ لَا يُفْشِيَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الْعُضْوُ الْجَدِيدُ.

وَبَعْدَ انْتِهَاءِ الْجَلْسَةِ، وَتَقْرِيرِ التَّالِيَةِ فِي الْغَدِ، كَتَبَ الرَّئِيسُ اسْتِدْعَاءً مُطَوَّلًا إِلَى الْأُسْتَاذِ بُوشْمَال، وَهُوَ الْعُضْوُ الْجَدِيدُ، يَدْعُوهُ إِلَى الْحُضُورِ فِي الْجَلْسَةِ الثَّالِثَةِ، وَيَبُثُّ شَكْوَاهُ الْمُرَّةَ مِنْ رَفِيقَيْهِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ لَهُ بِالْقَصْدِ مِنَ الاِجْتِمَاعِ، بَلْ طَوَى السِّرَّ عَنْهُ كَمَا طَوَاهُ عَنْ رَفِيقَيْهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ.

جَاءَتِ الْجَلْسَةُ الثَّالِثَةُ، وَحَضَرَ أَبُو شِمَالِ، وَفِيهَا كَشَفَ الرَّئِيسُ الْغِطَاءَ عَنِ الْحَقِيقَةِ، بَعْدَ مُقَدِّمَةٍ مُؤَثِّرَةٍ، وَتَمْهِيدٍ بَلِيغٍ، فَشَرَحَهَا الرَّئِيسُ، وَسَلَّمَهَا الْجَمَاعَةَ، وَاعْتَرَفُوا بِالْمُشْكِلَةِ وَالدَّاءِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْحِلِّ وَالدَّوَاءِ، جَاءَ الفَرَنْكُ، وَقَعَدَ فِي السَّاقِيَةِ.

وَهُنَا يَشْتَدُّ الْخِلَافُ، وَتَحْتَدُّ الْمُنَاقَشَةُ، وَتَقُومُ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ وَتُعْرَضُ الْحُلُولُ، فَيَكُونُ بوَشْمَالَ مِنْ أَنْصَارِ الْحَلِّ الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا يَقُولُ لِلرَّئِيسِ:

أَهْمِسُ في أُذْنِ الرَّئِيسِ هَمْسَهْ ... نَقْسِمُهَا لِكُلِّ فَرْدٍ خَمْسَهْ

وَيَكُونُ الرَّئِيسُ وَالْجَنَّانُ مِنْ أَنْصَارِ الْحَلِّ الثَّانِي، وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى ابْنِ الْعَابِدِ.

وَيَنْبَرِي ابْنُ الْعَابِدِ لِنقْضِ هَذَا الْحُكْمِ الْجَائِرِ، وَالدِّفآعِ عَنْ نَفْسِهِ، إِلَى أَنْ يَأْتِيَ الْمَشْهَدُ الْأَخِيرُ، فَيَقِفَ ابْنُ الْعَابِدِ، وَيَرْتَجِلَ ذَلِكَ الْفَصْلَ، فِي الدِّفَاعِ عَنْ فَرَنْكِهِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ سِوَاهُ، وَيَفْتَنَّ فِي وَصْفِهِ وَإِطْرَائِهِ، لِيُبَرِّرَ ضَنَانَتَهُ بِهِ، وَمِنْ أَبْلَغِ مَا يَقُولُ فِيهِ:

أَعَزُّ عِنْدِي مِنْ وَحِيدِ أُمِّهِ ... كُلُّ الْمُنَى فِي ضَمِّهِ وَشَمِّهِ

وَيَخْتِمُ الْفَصْلَ بِنُكْتَةٍ، يُحَتِّمُ عَلَيْهِ الِاعْتِذَارُ الاِعْتِرَافَ بِهَا، وَهِيَ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلشَّيْخِ ... وَيَصِفُ هَذِهِ الْعَدَاوَةَ أَبْلغَ وَصْفٍ، لِيَشْرَحَ سَبَبَهَا فَيَقُولُ:

وَهَلْ أَتَاكُمْ- وَالْكِذَابُ يُرْدِي- ... أَنِّي سَلَلْتُ بُرْدَهُ مِنْ بُرْدِي

لِأَنَّهُ قَدْ سَبَّنِي سَبًّا شَنِيعْ ... مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ كُنْتُ كَالْحِصْنِ الْمَنِيعْ

وَنَالَ مِنِّي سَجْعُهُ الْقَبِيحُ ... مَا لَمْ يُبِحْهُ فِي الْوَرَى مُبِيحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>