لكل منهما على الآخر من واجبات، وعامل بجهدي في تقريب ما بينهما من مسافة وإزالة ما بينهما من تنافر.
فحكمي على هذا الشعور الجديد في هذه الأمة أنه وليد التطورات والحوادث المفاجئة التي تعمل في تكوين العالم كله تكوينًا جديدًا، وأن أول ما تفعله الحوادث طبع الأفكار والعقليات طبعًا جديدًا.
وان الأمم إذا اضطرم شعورها بالحاجة إلى الشيء اتجهت أنظارها إلى قادتها وتحركت ألسنتها بالتساؤل عن رجالها، فإذا كانت سعيدة مهيأة للخير لبّاها رجالها من أول دعوة ووجدت قادتها في مقدمة الصفوف، وإذا كانت شقية مقدّرًا لها الذل والخذلان وجدتهم لاهين لاعبين أو متنابذين مضطربين منعزلين في أخريات القوافل منتشرين على هوامش ركب الحياة قانعين بالمدار الضيق الذي يدورون فيه مثقلين بالقيود المرهقة التي قيدتهم المعيشة بسلاسلها وأغلالها. فتفوت الفرص ويفوز السابقون المبكرون وتقسم مغانم الحياة وتبدل الأرض غير الأرض، والأمة ورجالها متباعدون مع قرب الدار، متقاطعون مع حرمة الجوار، يتصاممون والألم شامل ويتعامون والبلاء محيط، ويتمارون والنذير عريان ويمارون في الشمس وهي طالعة ثم يصبحون وقد فات العمل وخاب الأمل وحقت الكلمة، وهذه حالتنا وحالة أمتنا معنا والأمر لله.
أيها الاخوان:
إن هذا الموضوع الذي أرغمت على التحدث فيه موضوع شائك لا يجري اللسان فيه إلا على أطراف مجددة وجثث ممددة وعوائق مما يقف بين الحلق واللسان، وعواثر مما يفصل بين الإنسان والإنسان وإن الانصاف فينا لقليل.
إن الحديث في هذا الموضوع يؤدي إلى تحريك أوتار طال العهد بسكونها، وإلى نفض غبار اطمأنت النفوس إلى ركوده، وإلى نقد خصال من الضعف والفسولة والخور عششت في نفوسنا حتى ألِفْناها وركنّا إليها وأصبح الفطام عنها صعبًا، وألبسناها خلاف لبوسها من الأوصاف والنتائج حتى أصبح الدخول في خلافها دخولًا فيما لا يعني والتلبس بها إلقاء بالنفس إلى التهلكة. ونحلناها ما لا تستحق من الأسماء حتى أصبح المتصف بها يسمى بيننا حكيمًا وعاقلًا وخيرًا ومسالمًا ومدارًيا ومتجنبًا للشبهات من الخمول والانكماش.
ولقد كانت هذه الخصال موجودة في طائفة من سلفنا وكانت محمودة في عرفهم ولغة عصرهم لأنها كانت من الكماليات في حياة الأمة لأن كلمة الأمة إذ ذاك مجموعة وجانبها عزيز ومقوماتها ثابتة ومكانتها محترمة ومقامها بين الأمم مرفوع وميادينها عامرة بالرجال وخزائنها زاخرة بالأموال. فماذا عسى يضيرها بعد ذلك إذا جاءت منها طائفة مسالمة وطائفة