للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ما وضعته جمعية العلماء من أسس ثابتة للوطنية الحقة، فأروني ماذا صنعت هذه الجماعات التي تسمي نفسها أحزابًا سياسية وحركات وطنية؟ وماذا عمل هؤلاء اللائكون لكلمة الوطن، من عمل صالح للوطن؟ وماذا قدم هؤلاء الماضغون لكلمتي العروبة والإسلام، من خدمة نافعة للعروبة والإسلام؟ وماذا عرف هؤلاء المزورون على الشرق العربي من الشرق العربي؟

لا نعرف نحن، ولا تعرف الأمة، ولا يعرف المنجم، لهؤلاء أثرًا صالحًا في تربية الأمة، ولا عملًا إيجابيًا مثمرًا في فائدة الأمة، بل لم نعرف جميعًا عنهم إلّا الضد. ففي باب التربية لم نر منهم إلّا التدريب على السب والكذب والاختلاق وقلب الحقائق والتمرين على التزوير والدعايات المضللة، والتعويد على الشقاق، والتبعيد عن الاتحاد، وفي باب الأعمال لم نر منهم إلّا عملًا واحدًا، هو الذي سميناه "جناية الحزبية على التعليم والعلم".

هؤلاء القوم قطعوا الأعوام الطوال، في الأقوال والجدال، وجمع الأموال، وتعليل الأمة بالخيال، ومجموع هذا هو ما يسمونه سياسة ووطنية. فلما فحصنا هذا وقارنا مقدماته بنتائجه لم نجده إلّا تمهيدًا للانتخابات ووسائل للفوز بكراسي النيابات، وما يتبعها من خصائص وامتيازات.

هذه هي الحقيقة وإن ألبستها الدعايات الجوفاء في الداخل والخارج ألف ثوب زور، وسنشرحها بالأدلة ونكشف الغطاء عن هذا الزيف، فلا أبطل من الباطل إلّا السكوت عليه. وقد كانت مواسم الانتخاب تأتي بعد السنوات فيكون في الفترات بينها مجال لدعوى المدعي وتضليل المضلل، ولكنها كثرت وتعددت وصحبها من مغريات الأجور ما أذهل المحتاط، عن أخذ الاحتياط، فافتضحت المقاصد، وظهرت العيوب.

كثرت مواسم الانتخاب حتى أصبحت كأعياد اليهود، لا يفصل بعضها من بعضها إلّا الأيام والأسابيع، وكان ذلك كله مقصودًا من الاستعمار. لما يعلمه في أمتنا من ضعف، وفي أحزابنا من تخاذل وأطماع، وفي مؤسساتنا ومشاريعنا العلمية من اعتماد على الوحدات المتماسكة من الأمة، فأصبح يرميهم في كل فصل بانتخاب يوهن به صرح التعليم، ويفرق به الجمعيات المتراصة حوله، والتعليم هو عدو الاستعمار الألد لو كان هؤلاء القوم يعقلون.

كان هؤلاء القوم عونًا للاستعمار على ما أراد من كيد التعليم واضعافه، فقد وقع في السنة الماضية انتخابان وأمعنت الحزبية في التضريب بين جماعات الأمة، وبالغت في التضليل والأماني، وبالغت في السب وتقطيع الأوصال، وبالغت في تمزيق الشمل المجموع حول التعليم: فما انتهى الانتخاب الأخير إلّا والجمعيات القائمة بالمدارس منشقة متعادية، والهمم التي كانت مجمعة على التعليم باردة فاترة والأيدي التي كانت مبسوطة للتعليم

<<  <  ج: ص:  >  >>