للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقبوضة شحيحة، وطاف طائف النعرات الحزبية ببعض المعلمين فنسوا واجبهم وأضاعوا الانسجام مع زملائهم- والانسجام شرط أساسي لنجاح التعليم- وفتحوا الباب للعامة في التحزب والتعصب، وكانت النتيجة- لولا أن تداركناها بالحكمة- بلاء مصبوبًا على مدارسنا وهي في خطواتها الأولى، ولو أن مدارسنا اشتدت أصولها، وامتدت فروعها، وكانت تأوي في الجانب المالي إلى ركن شديد، وترجع في الجانب العملي إلى رأي رشيد لكان وبال هذه النعرات الحزبية الشيطانية راجعًا إلى أصحابه وحدهم، ولو كان محركو هذه النعرات الحزبية يريدون بالوطن خيرًا- كما يزعمون- لجانبوا بدعايتهم هذا الجهاز التعليمي بمدارسه ومعلميه وجمعياته وموارده المالية، ولكنهم متعمدون لذلك متمالئون مع الاستعمار عليه، ومن ذا الذي يستطيع إقامة الدليل على براءتهم من هذه الجريمة، وأقوالهم شاهدة بذلك؟

هذه إحدى جنايات الحزبية على التعليم زيادة على جنايتها على الأخوة والمصلحة الوطنية العامة.

إن التعليم عند الأمم التي عرفت الحياة معدود في المقومات التي هي رأس مال الوطن، ورأس المال يسمو عن الحزبيات، ولكن التعليم عند هؤلاء الدجالين منا معدود في الدرجة الأخيرة من الاعتبار، فيجب في نظرهم السخيف أن يخضع للانتخاب، وسمخر هو ورجاله للأحزاب، وقد تختلف الأحزاب عند تلك الأمم في فكرة سياسية، وترتفع حرارة الخلاف إلى درجة الغليان ولكن ... محال أن يصل الخلاف أو تمتد أسبابه إلى قدس التعليم ومدارسه ورجاله ونظمه وبرامجه ووسائله. محال ذلك لأن التعليم- عندهم- فودتى الأحزاب وفودتى الحزبية وأشرف منهما ولأنه رأس مال الأمة، وذخيرة الوطن، وهما مقدسان عند الأحزاب التي تحترم أممها وأوطانها ....

اشتد الخلاف واحتد بين الأحزاب الفرنسية من الشيوعية المتعصبة إلى الكاثوليكية المتعصبة. فهل سمعتم أن الخلاف بينها تناول- يومًا- المدارس والكليات والدين والتعليم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>