وأعمال جمعية العلماء للإسلام والعربية هي البناء المتين للقومية، والتفسير الصحيح للوطنية، والشرح العملي لمعنى الأمة، والمعنى الجامع لهذه الكلمات الجليلة التي أصبحت عند أمم الأعمال مفخرة الفاخر، وعند أمم الأقوال- مثلنا- سخرية الساخر.
...
وكما امتحن الله الإسلام بخصومه الكائدين له، المتربصين به، ليجلو حقه بباطلهم، ويظهر حقيقته بمزاعمهم، وبقوي حجته بشبهاتهم، ويثبت قواعده بما يحاولون من هدمه، حتى كأنه- بسببهم- موجود مرتين، أو كأنه موجود وجودًا مضاعفًا، وهذه إحدى سنن الله في الحق والباطل، ما وقف الباطل أمام الحق إلا كان حجة له لا عليه، بل كان حججًا مطوية في حجة، ففي تهافت الباطل حجة، وفي تَخَاذُل أصحابه حجة، وفي خذلان الله لهم في العاقبة حجة الحجج.
وكما امتحن الله اللغة العربية بهذه الرطانات الناشزة ليقيم من عيها دليلًا على فصاحتها، ومن هجنتها برهانًا على صراحتها، كما يشهد قبح الشوهاء لجمال الحسناء، إذا تواقفتا في مشهد.
كذلك ابتلى جمعية العلماء بجماعات يعارضون أعمالها، ويسفهون آراءها، ويطمسون حسناتها، ويَتَنَقَّصُون جلاثل آثارها ويعارضون بأقوالهم أفعالها، فلا تكون عواقبهم إلّا كعواقب من يترصد للإسلام الأذى، ويبيت للعربية المحو والإبادة، وما جعل الله الأولين إلا سلفًا ومثلا للآخرين.
...
كان من المعقول أن يقف الكتابي أو الوثني في طريق الإسلام ليقطع مجراه أو ليصد تياره، ذيادًا عن دينه أن يهضم، وعن حوضه أن يهدم.
وكان من الطبيعي أن يقف الأعجمي اللغة موقف المكابر في فضل العربية وجمالها وسحر بيانها، حَمِيَّة للغته أن تنتقص، ولآدابها أن تبخس، وما زالت المحاماة عن اللغات كالمحاماة عن الأعراض- غريزة بشرية. حتى لو سألت السوداني المتوحش عن لغته لقال: إنها أفضل اللغات، وإنها أفصح اللغات.
ولكن غير المعقول وغير الطبيعي أن تقوم جماعة تحسب في عداد المسلمين وتعد من أبناء العرب، فتجاهر بالتنكر للإسلام والعربية، وتقيم العراقيل في سبيل انتشارهما، وتحارب الداعين إليهما والمدافعين عنهما، وتكون- من حيث تدري أو من حيث لا تدري- عونًا لأعدائهما عليهما.