إن الاستعمار ليطير فرحًا بالكلمة يقولها المسلم في تهوين الإسلام، وباللفظة يلفظها العربي في توهين الأمة العربية. لأنه يعلم منشأ ذلك في نفس القائل، ولعلم أثره في نفس السامع، وهو التدرج إلى التحلل من الدين، والهجران للعربية. فكيف به إذا سمع التزهيد فيهما يخطب به في المحافل؟ وكيف به إذا علم أن هذه الفكرة أصبحت مذهبًا يدعو إليه الدعاة، ويجتهد في نشره المجتهدون؟ إنها لجريمة. إنها لجريمة ...
هذا كله بعينه ومينه هو ما يقوم به دعاة هذه الحركة التي سمت نفسها "حركة الانتصار للحريات الديمقراطية" مع جمعية العلماء، وتعليمها للإسلام والعربية، ومدارسها التي تعلم فيها الإسلام والعربية، ورجالها الذين تعتمد عليهم في ذلك التعليم، فقد وقفت هذه الطائفة موقف العداوة المكشوفة الصريحة لجمعية العلماء، لا لشيء تنقمه منها إلا أنها جمعية العلماء التي عرفها الناس وعرفوا أعمالها الجليلة في نشر الإسلام والعربية، ومواقفها المشرفة في الدفاع عن الإسلام والعربية. فإن لم يكن هذا هو الذي ينقمونه من الجمعية فما هو؟ أَثَأْرٌ لهم عندها؟ ولا ثأر. أم مزاحمة لهم منها؟ ولا مزاحمة. أم خلاف في الرأي؟ وهل يبلغ الخلاف في رأي دنيوي إلى حرب الدين واللغة؟ أم حقد طبيعي لا يغالب؟ وهل يبلغ الحقد بصاحبه إلى حدّ أن يخرب بيته بيده؟ ألا إن لهم في ذلك مأربًا يخفونه ولا يبدونه، وهو أن تكون الجمعية مسخرة في أيديهم، وقنطرة يعبرون بها إلى أغراضهم، وهذا ما لا يكون، وسحقًا لما يأفكون.
هذه الطائفة تبث دعاتها في المدن والقرى، وتفرض عليهم سب جمعية العلماء ورجالها، وتحقير أعمالها، وحض الأمة على البقاء في الجهل والأمية، وعلى نفض يدها من التعليم ومدارسه، وعلى هدم المدارس هدمًا معنويًّا بقبض الأيدي عن إعانتها، وبتقبيح التعليم من حيث هو، وتبث دعاة آخرين إلى الطلبة المهاجرين إلى الزيتونة والقرويين يزهدونهم في العلم، ويلهونهم عنه، ويصدونهم عن سبيله، ويشغلونهم عنه بأمور مهما غلا فيها الغالون فإنها لا تبلغ في القيمة ما يبلغه العلم، ومهما كانت نافعة فإنها لا تنفع إلّا بالعلم ومع العلم، وتبث دعاة آخرين يدعون إلى مقاطعة "البصائر" لسان الصدق، ومجلى البيان، ومفخرة الصحافة العربية بهذا القطر، ومثال الجرأة والصراحة في الحق، وتبلغ بهم الوقاحة إلى أن يسبوا بائعيها ومشتريها.
كل هذا مما يقوم به دعاة هذه الطائفة ويقولونه بصراحة لا تعمية فيها، وكل هذا مما شهدت به عليهم مآت الألوف من طبقات الأمة، وكل هذا معدود عند كبيرهم وصغيرهم من أصول الوطنية، وكل هذا يقع في داخل القطر الجزائري، أما في الخارج فهم يتسترون بثوب شفاف من الدعايات- ويشاركون الحركات العاملة بما يشارك به المفلس، أو بما يشارك به "طير الليل" طيور النهار.