للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزلة هي الغالبة من صنيع المفتتنين بالمذاهب والمتعصبين لها يتباعدون عن القرآن ما شاء لهم الهوى. فإذا تناولوه فبهذه النظرة الخاطئة.

والمتكلمون في معاني القرآن معظمهم من اللغويين والنحاة، فهم يتكلمون غالبًا على الألفاظ المفردة وأوجه الإعراب، فهم أقرب الكاتبين في الغريب أمثال الأصفهاني وأبي ذر الهروي، وإنما أطلقوا على كتبهم هذا الاسم (معاني القرآن) لأن بساطة الأسماء كانت هي الغالبة في زمنهم.

والإخباريون مفتونون بالقصص فلا يقعون إلا على الآيات المتعلقة به، ويا ليتهم يحققون الحكمة من القصص، فيجلون العبر منها ويستخرجون الدقائق من سنن الله في الأمم وجميع الكائنات، ولكنهم يسترسلون مع الرواية وتستهويهم غرابة الأخبار فينتهي بهم ذلك إلى الإسرائيليات الخاطئة الكاذبة وقد أدخلوا بصنيعهم هذا على المسلمين ضررًا عظيمًا، وعلى التاريخ فسادًا كبيرًا.

وأصحاب المذاهب العقلية إذا تعاطوا التفسير لا يتوسعون إلا في الاستدلالات العقلية

على إثبات الصفات أو نفيها وعلى الغيبيات والنبوات وما يتعلق بها.

والنحاة والباحثون في أسرار التراكيب لا يفيضون إلّا في توجيه الأعاريب أو في نكت البلاغة كما يفعل الزمخشري وأبو حيان.

هكذا فعل القدماء والمحدثون بالقرآن، حكموا فيه نحلهم ومذاهبهم وصناعتهم الغالبة عليهم، فأضاعوا هديه وبلاغه وأبعدوا الأمة عنه، وصرفوها عن حكمه وأسراره، ولو ذهبنا مذهب التحديد في معاني الألفاظ الاصطلاحية لوجدنا المفسّر من هؤلاء قليلًا.

أما المفسرون الذين يصدق عليهم هذا الوصف فهم الذين يشرحون فقه القرآن ويستثيرون أسراره وحكمه معتمدين على القرآن نفسه وعلى السنة وعلى البيان العربي كما أشرنا إلى ذلك قبلًا. ومن هؤلاء من اقتصر على الأحكام فقط كابن العربي والجصّاص وعبد المنعم بن الفرس، وهؤلاء الثلاثة هم الذين انتهت إلينا كتبهم، ومنهم من عمم ولكن توسعه ظاهر في الأحكام: أحكام العبادات والمعاملات كالقرطبي وابن عطية وأضرابهما.

وكان خمود وكان ركود، وضرب التقليد بجرانه فقضى على ذكاء الأذكياء وفهم الفهماء إلى أن أذن الله للعقل الإسلامي أن ينفلت من عقال التقليد ويستقل في الفهم، وللنهضة العلمية الإسلامية أن يتبلج فجرها، ويعم نورها فكانت إرهاصات التجديد لهذه العلم ظاهرة في ثلاثة من أذكى علمائنا وأوسعهم اطلاعًا: الشوكاني والألوسي وصديق حسن خان، على تفاوت بينهم في قوة النزعة الاستقلالية، وفي القدرة على التخلص من الصبغة

<<  <  ج: ص:  >  >>