للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدد الخامس من "البصائر"، ما معناه: إنه لم يكتب مثلها من يوم جرت الأقلام في قضية فلسطين. وقد ختمت تلك المقالات ببيان حق فلسطين على العرب، ونحن منهم، فبيّنت أن أول واجب علينا هو بذل المال. ووقفت عند هذا الحد، وربأت بنفسي أن أحتكر الدعوة والعمل، وانتظرت وقع المقال في نفوس الأمّة. ولو شئت لفتحت اكتتابًا لفلسطين باسم "البصائر"، أو باسم جمعية العلماء، وفيهما- بحمد الله- الكفاية والكفاءة. ولهما- من فضل الله- الكلمة المسموعة في الأمّة والثقة المتينة، والسمعة العاطرة النقية. ولكنني تركت الميدان لغيري، لعلمي أن في الوطن رجالًا لهم سابقة الفضل في قضية فلسطين، وهيئات تحمل من هذا الإسم وسام الشرف، وقد عملت في ظروف أخرى جهد المستطاع من الخير لفلسطين، وإن لم يظهر لها في الطور الأخير أثر. وقد رمزت لهذا بتقديم مكتبتي الصغيرة لأية هيئة تتقدّم للقيام بهذا الواجب. وحكمة أخرى في عدم انفرادي بالعمل، وهي أنني كنت أترقب الفرصة المناسبة لأقوم بدعوة جديدة إلى توحيد الأحزاب والصفوف بعدما ضاعت جهودي القديمة، وأرجو أن يكون لي من قضية فلسطين عون على ما أريد، لأنها قضية دينية قومية سياسية، ففيها من كل غرض جانب وفيها لكل هوى جاذب.

ثم خرجت في أثناء ذلك في جولة استطلاعية للمدارس، فبلغني- وأنا بمطارح غيبتي- أن لجنة نادي الترقي القديمة عازمة على العمل، وأنها زارت مركز جمعية العلماء سائلة عني طالبة مني المشاركة في العمل، وأنها عرضت هذا الطلب على الحزبين الجزائريين. ولما رجعت من تلك الجولة زارني- في داري- الأستاذ الشيخ الطيب العقبي وهو الروح المدبّرة لتلك اللجنة، وأخبرني بأن اللجنة تتنازل- مسرورة- عن اسمها ومطبوعاتها وأعمالها. وأنها تودّ الانضمام إلى هيئة قوية مؤلّفة من رؤساء الهيئات والأحزاب، وصارحني بأنه يشاطرني الرجاء في أن تكون قضية فلسطين مباركة كأرضها فتكون سببًا في جمع ما تشتّت من أحزابنا، وأجمعنا الرأي على أن ندعو الحزبين اللذين كنت تعبت في التأليف بينهما فلم أفلح. وقوي أملي في هذه المرّة أن قضية فلسطين ليس فيها كراسي ولا نيابة، وغاب عني أن فيها شيئًا اسمه ... الرئاسة، وقلت عسى أن يصدق الفال، فنجتمع على هذا العمل الجليل، ونظهر بالمظهر الذي يشرّف الإسلام والعروبة والجزائر. والتزم الأستاذ العقبي بدعوة رئيسي الحزبين، وفعل. فأما رئيس حزب البيان فأجاب الدعوة واستجاب إلى الداعي، وقبل هو وأصحابه العمل مع كل أحد، لأن قضية فلسطين في نظرهم فوق الاعتبارات الحزبية. وأما حركة الانتصار للحريات الديمقراطية فقد قال قائلهم عندما دعوا لأول مرّة: إن فلسطين هنا في الجزائر ولا شأن لنا بفلسطين أخرى، لأن أبناء الأمّة في السجون، وعائلاتهم تعاني ألم الحاجة والجوع، ثم بدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون من عقد الاجتماعات التمهيدية، بمركز جمعية العلماء وبنادي الترقّي، ومن ضغط التيار الإجماعي من

<<  <  ج: ص:  >  >>