للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا المعهد- باعتبار آخر- هو إحدى الكفارات التي تقدّمها الأمّة الجزائرية عما اجترحته من مآثم الجهل والأميّة، وسيئات الغفلة والتفريط وأسباب التأخر والجمود، وجنايات الابتداع في الدين والاتباع في الدنيا. لتمحو بالجد في الحياة آثار الهزل فيها، وتمحو بالعلم آثار الجهل، وبالقراءة آثار الأميّة، ثم تمسح بهما ما تراكم على دينها من محدثات، وما غطى على تاريخها من نسيان، ثم تخط بهما ما يتطلبه غدها من رسوم للعمل وأعلام للهداية، ووسائل للتنفيذ والتطبيق. ثم تجلّي لنفسها مناهج الحياة على هدى العلم، وبوحي القلم، كما سار سلفها الصالح الماجد على هدى العلم، وبوحي القلم إلى حياة العز والشرف والسيادة.

هذه هي المعاني الكامنة في هذا المعهد، كما كانت كامنة في نفس من نسب إليه وتحلّى باسمه، وكما هي كامنة في النفوس الصالحة الطاهرة من هذه الأمّة، وستظهر بالتدريج إذا اطرد نموه، وتفرّعت أفنانه، وتعهدته الأيدي بالبذل، والعقول بالتدبير، والقرائح بالتغذية، وصالحو المؤمنين بالمحافظة والحماية، ويومئذ تكون الأمّة قد استكرمت الغرس فاستطابت الجني، واستمجدت الزناد فحمدت الورى.

نقول: إن المعهد من عمل الأمّة، وهو قول حق وإنصاف للأمّة، ويقول العقلاء العارفون المنصفون: إنه هو الغرّة اللائحة في أعمال جمعية العلماء، وإنه هو تاج المدارس التي شيّدتها لحفظ دين الأمّة ولغتها، وهذا أيضًا قول حق وإنصاف لجمعية العلماء. وما جمعية العلماء إلا الأمّة المسلمة العربية الصالحة المصلحة، ذائدة عن كيانها، مدافعة عن قرآنها، مناضلة عن لسانها بلسانها، وما هذه الأمّة المسلمة العربية إلا جمعية العلماء متأثرة بخطواتها، منقادة لإرشادها، واثقة بأمانتها، مؤيّدة لمبادئها، سائرة في الدين والدنيا على هداها، ومن شذّ من الفريقين شذّ في النار. ولولا جمعية العلماء لما تحرّرت العقول والأفكار، فاستشرفت إلى تحرير الأجسام، ولولا الأمّة، وإيمانها بالجمعية، وثقتها برجالها وإمدادها لها بالمعونة الصادقة لما استطاعت الجمعية أن تقوم بهذه الأعمال الجليلة، ولما استطاعت هذه الحركة المباركة أن تنمو وتترعرع، وتتأصل وتتفرّع. وقديمًا قام الدين على هاد إلى الحق، ومهتد بالحق، وقامت الدنيا على قائد بالصدق، ومنقاد إلى الصدق.

جمعية العلماء والأمّة الصالحة جزءان يتألف منهما كل، ونصفان يتكوّن منهما كون كامل.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>