للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلخ هذا المعهد الجليل السنة الثانية الدراسية من عمره العلمي المبارك، وخطا في ميدان العلم والتثقيف الخطوة الثانية من خطاه المسدّدة، محفوفًا بالرعاية الشاملة من جمعية العلماء، وبالعناية الكاملة من صالحي الأمّة، وبالحماية العليا من الله الواحد الأحد.

سلخ هذا المعهد سنته الدراسية الثانية، ومعناها في لغة النظام العلمي تسعة أشهر تتخلّلها فترات، وتتحيّفها عطل واستراحات، فتنقص تسعة الأشهر أسابيع، فيكون عمره العلمي سنة وربع السنة مما يعرف الناس في عد أعمارهم، ولكنه يأتي بما يشبه معجزة عيسى نطقا في المهد، بحفظ العهد.

أُجريت الامتحانات- من مبتدإ شهر يونيو- لتلاميذه الذين بلغوا في هذه السنة ستمائة عدا، وانتهت بعد أسبوعين فأسفرت عن نتائج تُقرّ أعين العاملين لخير العروبة والإسلام في هذا القطر، وتُبهج خواطرهم وتشرح صدورهم.

جرت هذه الامتحانات في حالة حكيمة من حزم الإدارة وضبطها، وأمانة الشيوخ واحتياطهم، واستعداد التلامذة واعتمادهم على أنفسهم، لا تسمح بالإجحاف ولا بالمحاباة، فكانت النتائج فوق ما يقدر المشدد والمتسامح، وكانت فوق النسب المقدّرة من المشائخ والتلاميذ، وكانت بشيرًا بطور من الذكاء والنبوغ والبراعة تجني منه الجزائر الخير الكثير لدينها ولغتها، وكانت- في الأخير- برهانًا صادقا على أن شيوخ المعهد كانوا يعلمون ... وأن تلامذة المعهد كانوا يقرأون ويتعلمون ... بمعنى أن شيوخ المعهد كانوا يؤدّون واجبهم بإخلاص وأمانة ونصح وحسن توجيه، لم تثبطهم شدائد العيش ومكاره الحياة، ولم تثن هممهم الصعوبات المعترضة في سبيل التربية والتعليم. وأن التلامذة كانوا منقطعين إلى التعليم بجد واجتهاد وإخلاص، لم تلههم عنه ملهيات المجالس، ولم تغوهم شياطين الأزقة، ولم تضارر العلم في نفوسهم وساوس الأفكار. ولقد كان لشياطين الأزقة بهؤلاء التلامذة الصغار لمم وإلمام، ومساورة واقتحام، فكانوا يقعدون لهم بكل صراط، يضلونهم عن العلم، ويصدّونهم عن سبيله، ويزيّنون لهم مفارقة المعهد، ويلقّنونهم سب العلم وشتم العلماء مما ظهر أثره على ألسنة بعض الأغرار من صغار الطلبة فظهر أثره في خيبتهم في الامتحان، فكان عظة بالغة لهم ولغيرهم، ولقد رأيت بعيني بعض هؤلاء الأشرار في لبسة عجب يندسون بين الطلبة ويلازمونهم إلى باب المعهد يزيّنون الباطل ويقبحون الحق ويوسوسون في صدور التلامذة ما لا يوسوس قرينهم الشيطان الرجيم، ولكن الله أحبط أعمالهم، وخيّب آمالهم.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>