للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم "بسكرة" إلى يوم "جيجل" بالأمس القريب- لا تجعلوه ختامًا وإن كان مسكًا فإن المسك تذهب به الرياح، وليومكم ما بعده، له يوم "سطيف" ويوم افتتاح مدرسة "بسكرة" ويوم افتتاح مدرسة البنات بـ "جيجل" وأيام أخر، كلها غرر.

هذا اليوم من الأيام التي تلتقي فيها قلوب الأمة الواحدة على غرض واحد شريف، وأيديها على عمل واحد مفيد، وإن كل من حضر هذا الحفل العظيم، وكان في قلبه مثقال ذرة من حب المصلحة العامة، أو كان في قلبه شيء من الاعتزاز بالمجد القومي، وكل من شاهد مشهدنا هذا وكان في قلبه فتيل من إيمان- فإنه لا يخرج من هذا المشهد إلا كيوم ولدته أمه طاهر القلب طاهر الضمير طاهر اليد واللسان، نقي الفؤاد من هذ الأمراض التي زادتنا ضعفًا على ضعف وساقتنا إلى الأسر فالموت.

إن فخر هذا اليوم ليس لهذه القرية وحدها وإنما هو فخر الوطن الجزائري، وليس لمصلحي الحنايا الذين صبروا حتى أراهم الله عاقبة الصابرين، وإنما هو للأمة الجزائرية كلها يعم حتى المثبطين والمعاكسين والهادمين، إننا قوم نبني للأمة ولأبناء الأمة، وإنا لنعلم أن فيها من يحاربنا ويفتري علينا العظائم ويسعى جهده ليهدمنا وما بنينا، وحسبنا ردًا عليهم أننا نعمل وهم يقولون، وأن في هذه القرية نفسها مرضى جمود وصرعى خرافة، وأذناب استعمار وأنهم يودون لو هدموا ما شيدنا، ونحن نقول لهم: عفا الله عنكم- أيها الإخوان- وهداكم، لو تعقلتم قليلًا لعلمتم أن التاريخ حين يكتب هذا اليوم لا يسجل فخره خالصًا لنا، وإنما ينسبه إلى قرية "الحنايا" وأنتم منها، وأن الوفود إذا رجعت إلى أوطانها وشادت بهذا العمل الجليل نسبته إلى سكان "الحنايا" وأنتم منهم، وإنما للعاملين حظهم من الثناء والحمد، فكونوا مع العاملين تقاسموهم تلك الحظوظ من حسن الذكر، وذخيرة الأجر.

أيها الإخوان، أيها الأبناء:

لا تظنوا أن الحياة المعنوية التي نسعى لها اليوم بأقوى أسبابها وهو العلم هبة تنزل من السماء، وإنما هي شيء كسبي يناله الجاهدون، ويحرمه الراقدون، فاعرفوا هذه الحياة وافهموها، واجعلوا وسيلتها الأولى العمل الصالح، وارجعوا فيها إلى كتاب الله وسنة نبيه، وخذوها بالمحاذاة والتلقين والاتعاظ بأحوالكم الماضية وأحوال الأمم قبلكم، فإذا عرفتم هذا النوع من الحياة طلبتموه واذا طلبتموه وجدتموه، وإذا وجدتموه سعدتم به وأسعدتم.

إن الحياة بلا سعادة قدر مشترك بيننا وبين النمل على ضعفه، والحمار على ذله وخسفه والجمل على إذلاله وتسخيره، فإذا كنتم اليوم تسمون أحياء، فمن هذا النوع.

لا تفرحوا بحياتكم هذه، فإنكم أشقياء بها، وإن العاقل لا يرضى بهذا النوع من الحياة التي

لا سعادة فيها ولا شرف، وإن سكوتنا عليها واطمئناننا إليها يعدّ قدحًا في تعقلنا، ولوكنا عقلاء حقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>