للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالطمس عليها، وأذكى ببيانه العذب الرائق عواطف الحاضرين، فأبصروا خلال عباراته البليغة ماضي الإسلام والعروبة الزاهر في هذه الديار.

فاستمع إلى ما علق بالذهن من شوارد ألفاظة ومعانيه وهو يرتجل خطابه البليغ:

"أيها الاخوان الأعزة!

إننا نرحب بضيوفنا الكرام، وكلمة الضيف فيها ما فيها من الغربة والتكلف. فإذا ما خاطبت الاخوان بها جريًا على الوضع المألوف فمن المحال أن أخاطبكم بعد الآن بكلمة الضيف.

ذلك أن العربي عربي أينما حل، فالعربي المصري في الجزائر عربي، والعربي الجزائري

في مصر عربي.

أيها الاخوان!

كل هؤلاء متشوق إلى رؤيتكم، وقد أبطأتم عنا بنحو ساعة فوجفت القلوب أن يكون الاستعمار قد حال بيننا وبينكم، إذ ليس من المحال في حقه أن يحول بين المرء وقلبه، وبين الابن وأبيه، والأخ وأخيه.

أيها الإخوان!

إن للشرق ولمصر وبالأخص لفضلًا عظيمًا على الشمال الأفريقي.

وإننا ما زلنا نحفظ شيئًا كثيرًا عن تاريخ مصر وأدبها وحوادثها، وفيمن ترون من هؤلاء

من يلوكون ألسنتهم بالعربية، ويتبذخون بالتحدث بها عن مصر وأحوال نهضتها، ولا أكون مغاليًا إذا قلت: إن كل هؤلاء يحفظون قصائد لشعراء مصر والشرق كشوقي وحافظ وغيرهما، ويعرفون ما وقع بين طه حسين والرافعي والعقاد، وفيهم من ينظم الشعر على طريقة البارودي.

وإن التاريخ ليروي أن علماء جزائريين أخذوا العلم الصحيح عن مصر، فالعلّامة المشدالي الذي ما زالت قريته موجودة إلى اليوم في قرى "زواوة" من هؤلاء أخذ العلم من مصر على النظام المعروف يومئذ، ثم رجع إلى وطنه وبث العلم صحيحًا فيه كما أخذه.

أيها الاخوان!

إن الاستعمار أراد أن يجوع عقولنا بنزع العلم من صدورنا، فلم يفلح، سلوه فهو أخبث وأخبر بكل هذا، إذ حاول هذا التجويع العقلي والفكري، فقلنا له كلا، إنك لن تستطيع إلى ذلك سبيلًا.

فمهما جاعت البطون، وحفيت الأرجل، وعريت الظهور فإننا ما زلنا نحتفظ بعربيتنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>