للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إننا أسّسنا هذه المدارس بفضل الله ثم بمال الأمة، علينا الرأي والتدبير، والتخطيط والإشراف، ثم التنظيم والتعمير، وعلى الأمة ما وراء ذلك، وقد أنشأنا هذه المشاريع ثم سيّرناها ثم سايرناها وبلونا شروطها ومقتضياتها، فوجدنا أن شرط الوجوب فيها هو الإيمان بحياة الإسلام والعربية والوطنية الصادقة، وأن شروط الصحّة والكمال فيها منحصرة في المال، الذي هو قوام الأعمال. فالمال هو الشرط الأساسي لقيامها، والمال هو الشرط اللازم لحفظها واستمرار وجودها، وإنّي لَأرسلها فيكم كلمة منذرة لا مبشّرة، وهي أن مشاريعكم التي تَمَّت والتي تنتظر، كلها معرَّضة للانهيار والخراب- إنْ لم يكن ذلك اليوم فغدًا- ما لم تُصحِّحوها بما يضمن بقاءها من مستغلات مالية وأوقاف، كما حفظ أسلافكم هذه المآثر التي أبقوها لكم بالمستغلات الموقوفة، ولكنهم احتاطوا لزمنهم المؤمن بما وسعه إمكانهم، فاحتاطوا أنتم لزمنكم الفاجر بما يسعه إمكانكم، ولَأنتم في زَمَن سافر عن فضائله ورذائله، فأنتم أقدر على الاحتياط منهم. وكما يحتاج ما تغرسونه بأيديكم إلى التعَهُّد بالسقي والإصلاح، يحتاج ما تبنونه بأيديكم إلى التعَهُّدِ بالحفظ والرعاية، ومرجع ذلك كله إلى المال، وان الثمار التي تأكلونها من غروسكم اليوم قد دفعتم أثمانها مقدمة منذ سنوات، فكأنكم أقرضتم الأرض، فردّت القرض، ولا تزالون معها كل يوم في قرض. كذلك المدارس، كذلك المدارس!

بهذا المال النزر الذي يتجمّع من الغني والفقير والتاجر والفلّاح والعامل، ومن هذا التعاون الأخوي الإسلامي، بنيْنا هذه المدارس التي تخلد على الدهر، وبمثل هذه المقادير الموزعة التي لا تضرّ أحدًا وتنفع كل أحد، سنقيم بازاء هذه المدارس مستغلات تحفظ دوامها وتصونها من الضياع ...

مدّوا أيديكم لهذا المشروع واسخوا فيه، ولا تضِنُّوا عليه بالغزيز فإنه أعزّ، ولا بالنفيس إنه أنفس، ولا تنفقوا فيه من الفضول بل من الصميم، وإنني حين أدعوكم اليوم إلى البذل فيه لا أدعوكم لتخليص ما تمّ منه، فهذا أقلّ من هممكم، وهذا جناح قد تمّ ونبتَتْ خوافيه وطالت قوادمه وأصبح يدعو لنفسه بنفسه، وإنما أدعوكم لتكميل الجناح الناقص لطائرنا الميمون، وقد نبهكم إلى ذك شاعرنا محمد العيد بقوله:

وطير بديع لو يضم جناحه ... إليه لحاز الحسن أجمع بالضم (١)

وإني لآخذ عليه سكوته عن رأس هذا الطائر، ورأسه هو بيوت تشاد لإسكان المدير والمعلّمين، فإذا أتممتم الجناح الثاني، وبنيتم الطوابق العلوية وبنيتم بيوت السكنى،


١) بشير الشاعر إلى أن الذي تم بناؤه إنما هو جناح واحد، ويقابله جناح آخر لم يتم، وقد أبدع في التمثيل بالطير، وفي ذكر الجناحين مع لفظ الضم احسان في التصرف، وتصوير شعرى جميل.

<<  <  ج: ص:  >  >>