أصبحت مدرستكم ذات عشرين قسمًا وقاعة للمحاضرات، وأصبحتم بها جديرين بالفخر والشكر والثناء العاطر وتسجيل التاريخ.
ما أبرك هذه المدارس على الجزائر! وما أسعد الجزائر بها! فقد حركتها إليها يدٌ واحدة ودعاها إليها صوت واحد، فاجتمعتْ وتقاربتْ وتعارفتْ بعد التناكر وإنّي لَأَرى في هذا المحشر وجُوهًا من مدن التلول وقراها، ووجوهًا من قرى الصحراء كلها جمعها داعي العلم ليوم العلم، ولو شهدتم احتفال مدرسة الفلاح بوهران واحتفالات "الغزوات" و"ندرومة" و"الحنايا" و"بني مصاف" بمدارسها، لرأيتم ما هو أعجب من اجتماع الأمة الوهرانية في صعيد واحد استجابةً لصوت العلم.
إن هذا اليوم في هذه البلدة خط فاصل بين الماضي المظلم والآتي المشرق، وفيه تخْطون الخطوة الأولى للمستقبل السعيد، وفيه تَخُطُّون الكلمة الأولى من تاريخكم الجديد، وإن هذا اليوم لا يقنع منكم باليسير، بل بما يمحو زلة التقصير.
إن كنائن "الجيوب" ككنائن الغيوب، هذه يجليها عالم الغيب لمواقيتها، وتلك تجليها الهمم البعيدة الغور وهذا اليوم بعض مواقيتها، وان "الاستطاعة" كلمة لا نقبل تفسيرها من المستطيع، بل تُفَسِّرُها آثار نعمة الله، وقد قال شاعركم منذ الساعة كلمة قطع عليكم بها كل المعاذير، وهي قوله: ولا تجعلوا الآفات للشحّ حجّة.
والآفات التي تتعلّلون بها هي نقص الثمر، وافساد المطر، وكساد السوق وقلّة الموسوق، وهي أعذار، بيض الوجوه عليها أعين سود، كما قال الشاعر الأوّل.
في نفض الجيوب العامرة، رحض للعيوب الغامرة، فاعرفوا على ما أنتم مقدمون، وتوكَّلوا على الله متعاونين على البرّ والتقوى والله معكم.