للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإفطار، كأنهما قضيتا نكاح وطلاق، وهي في ذلك مفترية على الله ودينه، جاهلة بحكم شريعته، ولو أن هذه اللجنة كانت تعتني كما يعتني غيرها في الأقطار الإسلامية، فتتبع ثلاثة أهلة أو أربعة قبل رمضان، وتعلن في الجرائد العربية، ثم تقيم إلى الفجر تنتظر الأخبار، وتوصي القضاة والمفتين بأن ينتظروا إلى الفجر، ويسجّلوا الشهادات ويوافوها بها ولو في نهار الغد فإذا تأدّت إليها الشهادات في اليوم التالي عملت بها، ونقضت خبر الليل بخبر النهار. لو أنها فعلت ذلك لاستطاعت أن تغطي بعض عيبها الأكبر وهو أنها حكومية، وأن تستر شيئًا قبيحًا بشيء حسن، ولكن هذه اللجنة واقفة تحت المثل (سكت ألفًا ونطق خلفًا)، فهي تنام طول العام، وتمرّ عليها شهور العبادة فلا تعيرها التفاتًا، حتى إذا بقيت لرمضان أيام معدودة أثارت التشويش ببلاغاتها الفرنسية كأن لغة رمضان فرنسية، وبهذا الراديو الذي أصبح- بسببها- يذيع الفتنة والغشّ للمسلمين ويشيعهما، ثم لا تلتفت لما يأتي من الشهادات المثبتة بعد الساعة الحادية عشرة ليلًا، كأن هذه القضية الدينية المهمة مؤقتة بساعة إن لم تثبت فيها الشهادة عند هذه اللجنة سقط الصوم عن المسلمين.

...

في كل عام تقع من هذه اللجنة زلّة فاضحة، تكفي وحدها دليلًا على غشّها للمسلمين، ولبسها الحق بالباطل، ولكن زلة هذا العام أنست ما تقدّمها، وجاءت صلعاء سافرة في زلّات اللجنة ...

أعلنت اللجنة تنكرها للعالم الإسلامي، وتسفيهها لآرائه، وقدحها في شهاداته ثم أعلنت مع نصف الليل في الإذاعة بلسان مُفْتيَيْها، الحكم القاطع بعدم الصوم، بغير استثناء ولا احتياط لما عسى أن يظهر من شهادات الرؤية، ولا نصيحة للمسلمين بأن من ثبتت عنده الرؤية وجب عليه تبييت الصوم، أو الإمساك نهارًا ولو بقيت للمغرب دقائق، بل (حكمت) بالصوم وسدّت المنافذ، وعطّلت أحكام الشرع، كأنَّ صوم المسلمين متاع لهذه اللجنة تتصرف فيه كما تشاء ولم يزد الفتيان أو (البَرَّاحان) (١) كلمة على الحكم بالإفطار، سوى ما كرّره المفتي (ذو المذهبين)، مع شدة في اللهجة وضغط في النبرات، من التحذير من المشوّشين ... فهل من المشوّشين في نظره مسلمو مصر وتونس؟ وهل من المشوّشين تلك الجماعة المستفيضة التي رأت الهلال في "تيغنيف" قرب معسكر؟ وهل من المشوّشين من رأوه في "سيق" وفي "حمام بوحجر" وفي "جبال زواوة"؟ ... وهل من المشوّشين مفتي معسكر الذي عدل شهادة الرؤية وعمل بها وأعلن الصوم؟ وهل من المشوّشين مفتي وهران؟


١) البرَّاحان: مثنَّى برَّاح، وهو الشخص الذي يذيع الأخبار في السوق وفي التجمّعات.

<<  <  ج: ص:  >  >>