العمل عظيم، ولكن الأمة أعظم منه، فعلى الموسح أن يبذل على قدر سعته، ولا يبخل على الله والوطن، ولا يتعلل بالأزمة، وأن يشكر نعمة الله عليه بالفعل لا بالقول، وعلى المقتر أن يعلي همته، ويعلن إيمانه، فإن درهمه عند الله يوازن الجبال.
نخاطب من الأمة ضمائرها، ومواقع الإيمان منها، ومكامن النخوة والغيرة فيها، ونعمم الخطاب إلى جميع الطبقات من تجار وفلاحين وأصحاب مهن حرة وصناع، وعمال، ونذكرهم بأن لله عليهم حقًا، وأن للوطن عليهم حقًا، وأن للعروبة والإسلام عليهم حقوقًا، وأن لهذا الجيل الناشىء المتطلع إلى حياة العلم والعز والسعادة- عليهم حقوقًا، فليعدوه لذلك كما تعد الذخائر للمستقبل، وليحدّوه بذلك كما تحد السيوف للنزال، ولا تهولنهم هذه الحقوق التي عددناها فهي- في غايتها- حق واحد.
ليذكروا أن له على بعضهم نعمًا متجددة من الرزق في كل يوم، وله على بعضهم نعم مما تنبت الأرض أو مما تنتج النعم في كل عام، وأنه يربيها بفضله، ويسلبها بعدله ... فليحصنوها بالبذل في مراضيه، وليصونوها "بتضييعها" في سبله، وان أكبر السبل المؤدية إلى رضاه نشر العلم بين عباده.
إن من الدين، نشر علم الدين وتثبيته، وإن من صميم الوطنية تعليم أبناء الوطن، وإن من أصول القومية، إحياء اللغة العربية، وإن المعهد الباديسي كفيل بهذه الثلاثة، وإنه- مع ذلك- لنموذج من صنعة، وخطوة من ميدان، وعنوان من كتاب، ومرحلة من شقة، فاقطعوها بشجاعة وثبات، يسهل عليكم ما بعدها من الوثبات ....
ها هوذا قائد الحركة، ومرسل هذه الصيحة، يضرب لكم المثل مع ضعفه وإقلاله، فيقتطع من مرتبه الذي يقوت منه عياله خمسة آلاف من كل شهر لمدة سنة، ثم يجمعها فتصير ستين ألف فرنك، فيحتم عليه الواجب أن يقدمها دفعة واحدة، فيستقرضها من المخلوق، ويقرضها الخالق، ويضعها باسمه في (شيك) المعهد.