للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحمدها، ويوافوها بالأخبار والتقارير؛ تظهر لهم الثقة بهم، وهي تسيء الظن بجميعهم لأنهم مسلمون، تفعل ذلك كله لتقيم الدليل- في زعمها- على تسامحها في الدين واعتنائها بالإسلام والمسلمين؛ وما اهتمامها- والله- إلا بنفسها وسيادتها وباستعمارها. تُدعمه ولو بالأوهام، وتثبته ولو بالتلبيس والإيهام؛ وما ذلك النوع من "التحجيجِ" في نظر الإسلام والمسلمين إلا هزءٌ مكشوف، وسخرية مفضوحة، فهمها المسلمون شرقًا وغربًا، وأوسعوها انتقادًا وقدحًا، ووصفوها بأنها حبالة صيد للأغرار، ووسيلة كيد للإسلام.

خاب ظنّ الظانين وكذب فأل المتفائلين، ورأينا دار الحكومة الجزائرية كدار ابن لقمان باقية على حالها، ورأينا من غرائب التصرفات في حج هذه السنة أشياء جديدة مبتكرة لم يسبق لها مثيل، وعلمنا أن ذلك الطراز الذي نعرفه من حماة الاستعمار لا يهدأ لهم بال، ولا يطيب لهم منام إلا إذا أدخلوا أصابعهم في شعائرنا الدينية وأجروها كما يريدون لا كما نريد ويريد ديننا، فكأن السيادة على الأبدان والتحكم في الماديات لا تتم لذته عندهم ولا يرضي أهواءهم الطاغية إلا بفرض السيادة على الأرواح والتحكّم في ما بين العباد وبين خالقهم، وكفى بهذا محادة لله، وحربًا للدين من حيث هو دين، ويا ما أسخفَ تلك الجمل التقليدية التي تجري على ألسنة حكّام الاستعمار في خطبهم حينما يريدون التخدير والتضليل، وهي: ان فرنسا تحترم الإسلام.

إن حماة الاستعمار يعدون من الأركان القومية في دعايتهم ضد الشيوعية أنها لا تحترم الأديان، وأنها تحاربها، وأنها تنتهك حرماتها ومقدّساتها؛ وليت شعري ماذا أبقوا هم للشيوعية من حرب الأديان وانتهاك حرماتها ومقدّساتها بعد الذي رأينا، والذي شهدنا.

...

الحجّ في الإسلام ركن من أركانه التي بُنيَ عليها، يشاركها في الركنية والروح والمعنى العام للتعبّد، ويزيد عليها بمعانٍ اجتماعية حكيمة من السير في الأرض، والاطلاع على الأحوال، والاستزادة من العلم، والاختبار لأحوال الأمم، والاعتبار بها، والامتزاج بالأمم المشتركة في الدين، والتعارف بين الإخوة المتباعدين في المواطن: فهو مؤتمر اجتماعي للمسلمين، تحصن بالفرضية المحتّمة ليضمن له البقاء والاستمرار، واختار الله له من الأماكن تلك الصحراء الطاهرة بلعاب الشمس، المصهورة بحرارتها، المهيأة لرسالة التوحيد بدءًا وختامًا ليذكر المسلمين بالفطرة التي هي من خصائص دينهم.

والحجّ في نظر الاستعمار أداة مهيّأة لاستعباد الأمم الإسلامية التي أوقعها القدر في قبضته، يصرفهم بها في مصالحه، ويستخدمهم بسببها في أغراضه، ويسخّرهم بها كما تشاء

<<  <  ج: ص:  >  >>