للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهواؤه لا كما يشاء الإسلام وتقتضيه حكمته، ويجعل من وجوبه عليهم وسيلة لإخضاعهم وإذلالهم واستنزالهم على حُكمه، ويجعل من خشيته من اتصال المسلمين وتعارفهم مبررًا للتضييق عليهم.

نتحدَّث عن الاستعمار الفرنسي لأنه بأعيننا، ولأنه أخبث أنواع الاستعمار، إن لم يكن في جميع المعاملات ففي ما يتعلق بالدين الإسلامي على القطع والجزم، فقد رأينا رأي العين ما تتمتّع به الأمم الإسلامية من حرية واسعة مَرنة في دينها تحت الحكومات الاستعمارية ولا نستثني روسيا القيصرية.

يتحكّم الاستعمار الفرنسي في الحجّ ويجري عليه ألاعيبه حتى يخرج عن حقيقته الدينية التي هي معاملة بين المسلم وربّه إلى مساومة تجارية سياسية أحد طرفيها الدين والضمير، وإلى معاملة استبدادية بين حاكم مسيحي مستبدّ، بيده الباب ومفتاحه والرخصة والذهب والمركب وطرُق السفر في البر والبحر والجو، وبين مسلم مغلوب على أمره ليس له إلا إيمان في قلبه، وامتثال لأمر ربّه، ورجاء في أن يمحو بالحجّ ما تقدّم من ذنبه، وشوق يتجدّد كلما سمع قول الله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وتذكيه أهلة تلك الأشهر، واستطاعة بدنية هي من نعمة الله عليه، واستطاعة مالية اختزلتها الأزمات فعوّرتْ عينها ولم تبقِ منها إلا أسماء ممنوعة من الصرف، وأخيلة لا يستقرّ عليها الطرف.

رأى الاستعمار أن شرط الاستطاعة الذي هو شرط ديني وطبيعي لكل شيء في الدنيا لا يكفي في التثقيل على المسلم، فأضاف إليه شروطًا من عنده تثقل الكواهل، وتجرح الضمائر، وتنافي الروح الديني، وتشوب الإخلاص القلبي، وتصير المستطيع غير مستطيع، وغير المستطيع مستطيعًا ...

وانظر ما تشترطه الحكومة في الحاج تتبيّن صدق ما قلناه وتعلم أننا غير متجنين عليها ولا مبالغين في نقدها، تقول الحكومة في أول شروطها ما نصه:

أولًا: البراءة من التهم والإجرامات المدنية والسياسية. يا للعجب! أيكون الإجرام المدني مانعًا من الحج؟! أيكون الإجرام السياسي مانعًا من الحج؟!

وما هو الإجرام المدني؟ إنه السرقة وأكل أموال الناس بالباطل وشهادة الزور، إلخ. ولا نقول الزنا وشرب الخمر والقمار، لأن قوانين الاستعمار تبيحها وتعدها من الحلال الطيب، ولا تعاقب عليها ولا تعدها من "الإجرامات المدنية" مع أنها أمهات الرذائل وأصول الخبائث، وكيف يمنع هذا المجرم من الحجّ وتعاكس عقيدته بأن الحج يمحو خطاياه.

<<  <  ج: ص:  >  >>