للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وراء جدار، وفهمنا أنّ آخرَ ما يعني هذه اللجنة هو دين الأمة وصومها وإفطارها.

وجاء العيد فوقعت الواقعة ...

جاءت ليلة الثلاثين من رمضان، فجرَتْ جمعية العلماء على عادتها من السهر والاحتياط، وجرَت الأمة على عادتها من الاتصال بها للإخبار والاستخبار، وجرت اللجنة على عادتها من الارتجال وعدم الانتظار، وما كنا ندري أن الأمر دُبِّر بليل بين الحكومة وبين اللجنة- قبل ذلك بيوم أو بأيام- على (جعل) العيد يوم الأربعاء، وقطع النظر عن الرؤية والرائين، والمسلمين أجمعين، حتى المحاكم الأخرى ووثائقها وشهودها، كأن الحكومة ولجنتها لا يعنيها في أمر العيد وعطلته إلا العاصمة، ولا يعنيها من المسلمين إلّا سكّان العاصمة، ولا يعنيها من إفساد شؤون الدين إلا ما كان في العاصمة؛ فإذا نجحتْ في شيء من ذلك فيها فذلك هو النجاح ... وكأن هذا القاضي على الأهلة والأعياد ظن أنه رقي أسباب السماء بسلّم، فتوهّم أن (تصويم) المسلمين (وتفطيرهم) أصبحا من مشمولات نظره وحكمه، كما يحكم في طلاق امرأة، أو زواج رجل، أو مال محجور، وسكت عنه الناس فيما يوافق الحق، فتمادى فيما يخالفه، وقال: ما دمتُ أحكمُ على الأهلة فلأقل لها كوني فتكون، ولا تكوني فلا تكون، وما دام المرصد طوعَ إشارتي، والإذاعة تؤدّي- بالأمانة- عبارتي، فلآخذ من هنا، وأضعْ ههنا، ولأخرج عن طاعة الخارج، فهنا المُحُّ وهناك (المارج) ...

وهكذا أصبح يقدم على العظائم في الدين، وأصبح (يحكم) بالصوم في شوال والفطر في رمضان، ولعلّه لو قيل له: إن حكم القاضي لا يدخل هنا، يجيب بأنه يدخل بصفته رئيسًا للأهلة أو رئيسًا عليها ... وينسى أنه لو لم يكن قاضيًا لم يكن رئيسًا على الأهلة ... وأن القضاء هو الذي رقّاه إلى الرياسة على مخلوقات ليست من جنسه، وليس من جنسها.

أعلنت اللجنة قبيل العيد بأيام، بواسطة الإذاعة تقول لمستمعيها: انتظروا هلال شوال ليلة الثلاثاء. ومن رآه، فليخبر اللجنة، ومقتضى هذا البلاغ أن تنتظر اللجنة في مركزها، وتتلقى الأخبار والشهادات طول الليل، لأن القطر متباعد الأطراف، والراءون في الغالب بعيدون عن مراكز الأخبار، ومكاتب البريد.

ولكن اللجنة احتاطت في ذلك البلاغ لنومها، فحدّدت الإخبار الرسمي بالساعة العاشرة ليلًا، وهي مدة لا تكفي لإفطار الشهود واتصالهم بمراكز الأخبار أو تأدية الشهادات. وجاءت الليلة الموعودة، فكان القاضي بين عاملين، أهونهما الوفاء بوعده، وأجلّهما ما قالت حذام ... فقذف الإذاعة ببلاع محضر، أعلن فيه الرأي المدبر، وهو أن العيد يوم الأربعاء، لأن مرصد "بوزريعة" قال إن الهلال لا يُرى، ولأن الشيخ بخيت الفقيه قال كذا، ولأن الفلكي التونسي قال كذا، وكل هذا تجديد في عالم البلاغات من اللجنة المجددة،

<<  <  ج: ص:  >  >>