للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[٢ - السياق.]

ومثاله: ما استنبطه الشوكاني من قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)} [النجم: ٥٥] حيث قال -رحمه الله-: (وسمى هذه الأمور المذكورة آلاء أي نعما مع كون بعضها نقما لا نعما؛ لأنها مشتملة على العبر والمواعظ، ولكون فيها انتقام من العصاة وفي ذلك نصرة للأنبياء والصالحين) (١).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)} في سياق التهديد، فإن الله تعالى قبلها قال: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (٥٠) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا … هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (٥٤) وقال بعدها: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ … (٥٨)}؛ فدل بدلالة السياق (٢) على أن تسمية بعض النقم آلاء لاشتمالها على العبر والمواعظ، ولكون فيها انتقام من العصاة وفي ذلك نصرة للأنبياء والصالحين؛ إذ لابد أن يكون بين ذكر الآلاء هنا وذكر التهديد رابط يربطهما.

[٣ - دلالة التركيب.]

ومثاله: استنبط الشوكاني مشروعية التسبيح في كل الأوقات والأزمنة، وذلك بدلالة التركيب بين عدد من الآيات، فالله تعالى ذكر التسبيح بفعل ماضي، ومضارع، وأمر، فذكره بفعل ماضي في قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)} [الحديد: ١]، وفي قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ … (١)} [الصف: ١]، وفي قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ … (١)} [الحشر: ١]، وذكره بفعل مضارع في قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١)} [الجمعة: ١]، وفي قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ … شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)} [التغابن: ١]. وذكره بالأمر في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} [الأعلى: ١]؛ فدل بدلالة التركيب بين هذه الآيات على تعليم الله العباد تسبيحه في كل الأوقات والأزمنة؛ لأن الماضي يدل على التسبيح في الماضي من الزمان، والمستقبل يدل عليه في المستقبل من الزمان، والأمر يدل عليه في الحال (٣). (٤).


(١) فتح القدير ج ٥/ ص ١١٧. وانظر: الاستنباط رقم: ١٩٩.
(٢) لأن السباق، واللحاق تهديد، فذكر الآلاء بينهما دال على أن التهديد نعمة.
(٣) انظر: فتح القدير ج ٥/ ص ١٦٥، وص ٢١٩. وانظر: الاستنباطين رقم: ٢٠٤، ٢٠٧.
(٤) وانظر أمثلة أخرى في الاستنباطات رقم: ٥٥، ٦٥، ٧٢، ١٤١، ١٤٢، ١٥١.

<<  <   >  >>