للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن عاشور: (وإنما نفى العلم عن أكثرهم دون أن يقال: ولكنهم لا يعلمون؛ فاقتضى أن منهم من يعلم أنهم ليسوا أولياء المسجد الحرام، وهم من أيقنوا بصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واستفاقوا من غفلتهم القديمة، ولكن حملهم على المشايعة للصادين عن المسجد الحرام العناد، وطلب الرئاسة، وموافقة الدهماء على ضلالهم، وهؤلاء هم عقلاء أهل مكة، ومن تهيأ للإيمان منهم مثل: العباس، وعقيل بن أبي طالب، وأبي سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وخالد بن الوليد ومن استبقاهم الله للإسلام، فكانوا من نصرائه من بعد نزول هذه الآية) (١).

وممن قال بهذا الاستنباط: أبو السعود، والقنوجي، وابن عاشور. (٢).

وهذه الاستنباط مبني على حمل لفظ (أكثر) على معناه حقيقة. وقد أشار بعض المفسرين إلى أن المراد بالأكثر هنا الكل على سبيل المجاز كما يراد بالقلة العدم (٣). لكن الأظهر-والله تعالى أعلم- إبقاء الأكثر على ظاهره إذ الحقيقة أولى من المجاز.

قال أبو حيان: (إبقاء الأكثر على ظاهره أولى) (٤).

وفي هذا الاستنباط بيان لإنصاف القرآن في الأحكام. قال الهرري: (وقد جرت سنة القرآن أن يدقق في الحكم، ولا يقول إلا الحق، ولا يقول كما يقول الناس: إن القليل لا حكم له) (٥).

٨٥ - مشروعية الذكر في جميع الأحوال (٦).

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)} الأنفال: ٤٥.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي الآية دليل على مشروعية الذكر في جميع الأحوال حتى في هذه الحالة التي ترجف فيها القلوب، وتزيغ عندها البصائر) (٧).


(١) التحرير والتنوير ج ٧/ ص ٩١.
(٢) انظر: فتح البيان ج ٥/ ص ١٦٩، والتحرير والتنوير ج ٧/ ص ٩١.
(٣) أجازه البيضاوي في أنوار التنزيل ج ٣/ ص ١٠٦، والنسفي في مدارك التنزيل ج ٢/ ص ٦٤، والآلوسي في روح المعاني ج ٩/ ص ٢٠٣. لكنهم عند قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ … (٧٠)} [المؤمنون: ٧٠] اقتصروا على ما ذكره الشوكاني مما يؤيد ما ذهب إليه. انظر: أنوار التنزيل ج ٤/ ص ١٦٢، ومدارك التنزيل ج ٣/ ص ١٨٥، وروح المعاني ج ١٨/ ص ٥١.
(٤) البحر المحيط ج ٤/ ص ٦٢١.
(٥) حدائق الروح والريحان ج ١٠/ ص ٤١٥.
(٦) وهو استنباط في الدعوات والذكر.
(٧) فتح القدير ج ٢/ ص ٣١٥.

<<  <   >  >>