للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة البقرة]

٢ - الإرشاد إلى ترك الإسراف (١).

قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} البقرة: ٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ( … وفي المجيء بمن التبعيضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك الإسراف) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- من الآية الإرشاد إلى ترك الإسراف.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى أثنى على المتقين بصفات منها الإنفاق مما رزقهم الله؛ فدل مجيء من التبعيضية على التنبيه على ترك الإسراف.

واستنباطه إنما يتأتى على القول بأن (من) تبعيضية أما على أنها بيانية فلا يتأتى.

وقد يتأتى كذلك على القول بأن النفقة هنا عامة -وهو الأرجح (٤) - تشمل الزكاة، وسائر النفقات، والصدقات (٥). لكن في هذا تفصيل على النحو التالي:


(١) وهو استنباط تربوي.
(٢) فتح القدير ج ١/ ص ٣٦.
(٣) واستنبط الشيخ محمد أبو زهرة من تقديم {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} على {يُنْفِقُونَ (٣)} استنباطا آخر فقال: وفي ذلك بيان أنهم لا ينفقون من كسب خالص لهم، بل إنهم ينفقون من رزق الله تعالى، فهو وحده الرزاق، إن شاء أعطى، وإن شاء منع، ولست أيها المنفق ترزق نفسك إنما يرزقك الله وحده، فأنت تعطي من عنده، وتجود على نفسك وعلى عباده من عنده. فالتقديم للقصر أولا، وللاهتمام ثانيا. انظر: زهرة التفاسير ج ١/ ص ١٠٨.
(٤) قال الطبري: وأولى التأويلات بالآية وأحقها بصفة القوم، أن يكونوا كانوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين، زكاة كان ذلك، أو نفقة من لزمته نفقته من أهل وعيال وغيرهم ممن تجب عليهم نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك؛ لأن الله جل ثناؤه عم وصفهم، إذ وصفهم بالإنفاق مما رزقهم، فمدحهم بذلك من صفتهم، فكان معلوما أنهم إذ لم يخصص مدحهم، ووصفهم بنوع من النفقات المحمود عليها صاحبها دون نوع، بخبر ولا غيره، أنهم موصوفون بجميع معاني النفقات المحمود عليها صاحبها، من طيب ما رزقهم ربهم من أموالهم، وأملاكهم، وذلك الحلال منه الذي لم يشبه حرام. انظر: جامع البيان ج ١/ ص ٢٥٠، وانظر مثله في الجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٢٢٦.
وقال ابن جزي: فيه ثلاثة أقوال: الزكاة؛ لاقترانها مع الصلاة، والثاني: أنه التطوع، والثالث العموم، وهو الأرجح؛ لأنه لا دليل على التخصيص. التسهيل لعلوم التنزيل ج ١/ ص ٣٦. وانظر توجيها آخر للقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٢٢٦.
(٥) قال الرازي: يدخل في الإنفاق المذكور في الآية الإنفاق الواجب، والإنفاق المندوب. والإنفاق الواجب أقسام، أحدها الزكاة … فكل هذه الإنفاقات داخلة تحت الآية لأن كل ذلك سبب لاستحقاق المدح. انظر: التفسير الكبير ج ٢/ ص ٢٩.

<<  <   >  >>