للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة يونس -عليه السلام-]

٩٩ - جبل الخلق على الرجوع إلى الله في الشدائد (١).

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢)} يونس: ٢٢.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد.

ووجه الاستنباط: أن الله أخبر عن الكفار لما أصابهم السوء في البحر أنهم أخلصوا الدعاء لله هنالك دون أوثانهم وآلهتهم، وكان مفزعهم حينئذ إلى الله دونها؛ فدل ذلك على أن الخلق جميعا مؤمنهم وكافرهم جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد.

وممن قال بهذا الاستنباط: القرطبي، والقنوجي، والمراغي. (٤).

وفي هذا الاستنباط ذم لمن خالف فطرته فدعا في الشدائد غير الله تعالى.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي هذه الآية بيان أن هؤلاء المشركين كانوا لا يلتفتون إلى أصنامهم في هذه الحالة وما يشابهها. فيا عجبا لما حدث في الإسلام من طوائف يعتقدون في الأموات، فإذا عرضت لهم في البحر مثل هذه الحالة دعوا الأموات، ولم يخلصوا الدعاء لله كما فعله المشركون، كما تواتر ذلك إلينا تواترا يحصل به القطع، فانظر هداك الله ما فعلت هذه الاعتقادات الشيطانية، وأين وصل بها أهلها وإلى أين رمى بهم الشيطان وكيف اقتادهم وتسلط عليهم حتى انقادوا له انقيادا ما كان يطمع في مثله ولا في بعضه من عباد الأوثان فإنا لله وإنا إليه راجعون) (٥).


(١) وهو استنباط عقدي لأنه دليل الفطرة.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٤٣٥.
(٣) واستنبط غيره من الآية استنباطات أخرى، منها:
١) جواز ركوب البحر. انظر: أحكام القرآن لابن العربي ج ٣/ ص ٣.
٢) فعل العبد خلق لله تعالى؛ لأنه قال: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} وهذا يدل على أن سيرهم منهم، ومن الله، فيكون كسباً لهم وخلقاً لله. انظر: اللباب ج ١٠/ ص ٢٩٤. وفيه حجة على المعتزلة في خلق الأفعال. انظر: نكت القرآن ج ١/ ص ٥٨٨.
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ٨/ ص ٢٩٣، ٢٩٤، وفتح البيان ج ٦/ ص ٣٩، وتفسير المراغي ج ١١/ ص ٩٠.
(٥) فتح القدير ج ٢/ ص ٤٣٥.

<<  <   >  >>