للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[ثانيا: الاستنباط من نص خفي.]

النص الخفي هو النص الذي يحتاج إلى بيان وتفسير.

ومع هذا النص لا يصح الاستنباط إلا بعد معرفة معنى الآية وتفسيرها.

قال القرطبي: (فمن لم يُحْكِم ظاهر التفسير، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية؛ كثر غلطه، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي. والنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولا ليتَّقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع الفهم والاستنباط … ولا مطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر) (١).

وقد يكون في تفسير الآية خلاف ينبني عليه صحة أو بطلان الاستنباط (٢)، فقد يصح الاستنباط على معنى، ولا يصح على معنى آخر.

ومثال ذلك: استنبط الشوكاني من قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨)} [الأنبياء: ٧٨] جواز إطلاق الجمع على الاثنين، قال -رحمه الله-: ({وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} أي: لحكم الحاكمَين. وفيه جواز إطلاق الجمع على الاثنين) (٣).

وهذا الاستنباط يصح على أن معنى الآية: أن الله تعالى بعد أن ذكر حكم داود -عليه السلام-، وسليمان -عليه السلام- في قصة الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم- قال: {لِحُكْمِهِمْ} فجمع مع أنهما حَكَمَان اثنان هما داود -عليه السلام-، وسليمان -عليه السلام-.

وفي معنى {لِحُكْمِهِمْ} قيل: إن المراد بقوله: {لِحُكْمِهِمْ} الحاكمان والمحكوم عليه (٤).

وقيل: إن الجمع للتعظيم (٥).

فعلى هذين القولين لا يصح هذا الاستنباط. (٦).


(١) الجامع لأحكام القرآن ج ١/ ص ٦٨، ٦٩.
(٢) استنباطات الشيخ عبد الرحمن السعدي من القرآن ص ٧٦.
(٣) فتح القدير ج ٣/ ص ٤١٨.
(٤) انظر هذا القول محكيا في: الجامع لأحكام القرآن ج ١١/ ص ٢٦٩، واللباب ج ١٣/ ص ٥٥١. وهذا القول تعقبه الرازي بقوله: (جوابه أن الحكم كما يضاف إلى الحاكم فقد يضاف إلى المحكوم له، فإذا أضيف الحكم إلى المتحاكمين كان المجموع أكثر من الاثنين). التفسير الكبير ج ٢٢/ ص ١٦٩.
(٥) حكاه الآلوسي في روح المعاني ج ١٧/ ص ٧٤.
(٦) انظر تفصيل هذا الاستنباط ودراسته في موضعه من هذا البحث.

<<  <   >  >>