للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[سورة نوح -عليه السلام-]

٢١٢ - الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق (١).

قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ … جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)} نوح: ١٠ - ١٢

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق؛ ولهذا قال: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} يعني: بساتين {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)} جارية) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق.

ووجه الاستنباط: أن نوحا -عليه السلام- وعد قومه على الاستغفار إمدادا بالأموال والبنين؛ فدل بدلالة الاعتبار بقصص الأنبياء -عليه السلام- على أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق.

قال القصاب: ({وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} دليل على استنزال الرزق، وتكثير الأولاد بالعمل الصالح؛ لأن نوحا -عليه السلام- وعد قومه على الاستغفار إمدادا بالأموال والبنين) (٣).

وممن قال بهذا الاستنباط: القصاب-كما تقدم-، وابن عطية، والقرطبي، والسيوطي، والقنوجي. (٤).

وهذا المعنى يستنبط أيضا من قوله تعالى: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)} [هود: ٥٢]. قال ابن جزي: (وفي الآية دليل على أن الاستغفار والتوبة سبب لنزول الأمطار) (٥).

وقد اقترن في القرآن الكريم ذكر الرزق بكثير من العبادات، قال الشنقيطي: وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)} [النور: من الآية ٣٢] (٦) فيه وعد من الله للمتزوج الفقير من الأحرار والعبيد بأن الله يغنيه والله لا يخلف الميعاد … وهذا الوعد منه جل وعلا وعد به من اتقاه في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: من الآيات ٢ - ٣] (٧)، ووعد بالرزق أيضا من يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها وذلك في قوله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (١٣٢)} [طه: ١٣٢]، وقد وعد المستغفرين بالرزق الكثير على لسان نبيه نوح -عليه السلام- في قوله تعالى عنه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)}، وعلى لسان نبيه هود -عليه السلام- في قوله تعالى عنه: {وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢)} [هود: ٥٢] وعلى لسان نبينا -صلى الله عليه وسلم-: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: من الآية ٣] (٨). ومن الآيات الدالة على أن طاعة الله تعالى سبب للرزق قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: من الآية ٩٦] (٩) ومن بركات السماء المطر، ومن بركات الأرض النبات مما يأكل الناس والأنعام، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة: من الآية ٦٦] (١٠)، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧)} [النحل: ٩٧] أي: في الدنيا (١١).


(١) وهو استنباط في الدعوات والذكر، وفي علوم القرآن (قصص الأنبياء).
(٢) فتح القدير ج ٥/ ص ٢٩٨.
(٣) نكت القرآن ج ٤/ ص ٤١٥.
(٤) انظر: نكت القرآن ج ٤/ ص، و ٤١٥، والمحرر الوجيز ص ١٩٠٢، والجامع لأحكام القرآن ج ١٨/ ص ٢٦١، والإكليل ج ٣/ ص ١٢٨١، وفتح البيان ج ١٤/ ص ٣٣٤.
(٥) التسهيل لعلوم التنزيل ج ٢/ ص ١٠٧.
(٦) وتمامها: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢)}
(٧) وتمامها: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ … يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣)}.
(٨) وتمامها: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ … ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣)}.
(٩) وتمامها: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا … فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)}.
(١٠) وتمامها: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦)}.
(١١) انظر: أضواء البيان ج ٤/ ص ١١١.

<<  <   >  >>