للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقيل: أفعل ليس للتفضيل، بل من إضافة الشيء إلى بعضه للقصد إلى التحقيق والتوضيح من غير اعتبار تفضيله عليه، فيكون الأسوأ هنا أي: سيء الذي عملوا، فالزيادة المعتبرة فيهما ليست بطريق الحقيقة بل هي في الأول بالنظر إلى ما يليق بحالهم من استعظام سيئاتهم وإن قلت، واستصغار حسناتهم وإن جلت. والثاني بالنظر إلى لطف أكرم الأكرمين من استكثار الحسنة اليسيرة ومقابلتها بالمثوبات الكثيرة. وحمل الزيادة على الحقيقة وإن أمكن في الأول بناء على أن تخصيص الأسوأ بالذكر لبيان تكفير ما دونه بطريق الأولوية ضرورة استلزام تكفير الأسوأ لتكفير السيء، لكن لما لم يكن ذلك في الأحسن كان الأحسن نظمهما في سلك واحد من الاعتبار (١). فعلى هذا القول لا يصح هذا الاستنباط.

والأول- والله أعلم- أظهر؛ لأن حمل الكلام على الحقيقة أولى، ولفظ الأحسن لا يشكل عليه ما ذُكر إذ يمكن حمله على الحقيقة، ويكون المعنى كما قال أبو حيان: (والظاهر أن بأحسن أفعل تفضيل، فقيل: لينظر إلى أحسن طاعاته فيجزي الباقي في الجزاء على قياسه، وإن تخلف عنه بالتقصير. وقيل: بأحسن ثواب أعمالهم. وقيل: بأحسن من عملهم، وهو الجنة، وهذا ينبو عنه {بِأَحْسَنِ الَّذِي}) (٢).

١٨٦ - نهي المذنبين غير المسرفين عن القنوط (٣).

قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ … الرَّحِيمُ … (٥٣)} الزمر: ٥٣.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (واعلم أن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله سبحانه لاشتمالها على أعظم بشارة، فإنه أولا أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم ومزيد تبشيرهم، ثم وصفهم بالإسراف في المعاصي والاستكثار من الذنوب، ثم عقب ذلك بالنهي عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب، فالنهي عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى وبفحوى الخطاب) (٤).


(١) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٧/ ص ٢٥٥، وروح المعاني ج ٢٤/ ص ٤. وقد أشار أبو حيان إلى قراءة شاذة دالة على هذا التأويل وهي قراءة ابن مقسم بألف بين الواو والهمزة جمع سوء، ولا تفضيل فيها. انظر: البحر المحيط ج ٧/ ص ٥٧١.
(٢) البحر المحيط ج ٧/ ص ٥٧١. والقول بالتفضيل تؤيده القراءة المتواترة.
(٣) وهو استنباط في الرقائق.
(٤) فتح القدير ج ٤/ ص ٤٧٠.

<<  <   >  >>