للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المثال الثاني]

استنبط الشوكاني أن المدة التي جعلها الله تعالى آية لزكريا -عليه السلام- لا يكلم الناس فيها هي ثلاثة أيام ولياليهن. وذلك بدلالة التركيب بين قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠)} [مريم: ١٠] وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١)} [آل عمران: ٤١]، قال -رحمه الله-: (وقد دل بذكر الليالي هنا -يعني في سورة مريم- والأيام في آل عمران أن المراد ثلاثة أيام ولياليهن) (١).

[المثال الثالث]

استنبط الشوكاني -رحمه الله- أن العلماء التاركين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد حالا وأعظم وبالا من العصاة، وذلك بدلالة التركيب بين قوله تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢)} [المائدة: ٦٢]، وبين قوله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)} [المائدة: ٦٣]، قال -رحمه الله-: ( … والربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود، وقيل: الكل من اليهود لأن هذه الآيات فيهم، ثم وبخ علماءهم في تركهم لنبيهم فقال: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)} وهذا فيه زيادة على قوله: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢)}؛ لأن العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه صاحبه، ولهذا تقول العرب سيف صنيع إذا جود عامله عمله، فالصنع هو العمل الجيد لا مطلق العمل. فوبخ سبحانه الخاصة وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو أغلظ وأشد من توبيخ فاعل المعاصي.

فليفتح العلماء لهذه الآية مسامعهم، ويفرجوا لها عن قلوبهم، فإنها قد جاءت فيه البيان الشافي لهم بأن كفهم عن المعاصي مع ترك إنكارهم على أهلها لا يسمن ولا يغنى من جوع، بل هم أشد حالا وأعظم وبالا من العصاة، فرحم الله عالما قام بما أوجبه الله عليه من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو أعظم ما افترضه الله عليه، وأوجب ما أوجب عليه النهوض به) (٢).


(١) فتح القدير ج ٣/ ص ٣٢٤. وانظر هذا الاستنباط برقم: ١٤٢.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٥٥، ٥٦. وانظر هذا الاستنباط برقم: ٦٥.

<<  <   >  >>