للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى لما أمر بحمده ذكر صفات جليلة له عز وجل دالة على تمام الكمال، والقدرة التامة على الإيجاد، وما يتفرع عليه من إضافة أنواع النعم؛ فدل بدلالة الربط بين أجزاء الآية على أن مناسبة ذكرها وكونه رتب الحمد عليها للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد؛ لأنه الكامل الذات، المنفرد بالإيجاد، المنعم على الإطلاق. وما عداه ناقص، مملوك نعمة، أو منعم عليه؛ ولذلك عطف عليه قوله: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (١١١)}.

[ت - الربط بين الآية وخاتمتها]

ومثاله: ما استنبطه الشوكاني من قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)} [النحل: ١٨] حيث قال -رحمه الله-: (وما أحسن ما ختم به هذا الامتنان الذي لا يلتبس على إنسان، مشيرا إلى عظيم غفرانه وسعة رحمته فقال: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)} أي: كثير المغفرة والرحمة، لا يؤاخذكم بالغفلة عن شكر نعمه، والقصور عن إحصائها، والعجز عن القيام بأدناها، ومن رحمته إدامتها عليكم، وإدرارها في كل لحظة، وعند كل نفس تتنفسونه، وحركة تتحركون بها) (١).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر كثرة النعم والقصور عن إحصائها، ثم ختم ذلك بذكر مغفرته ورحمته دون غيرهما من الأسماء والصفات؛ فدل ذلك بدلالة تأمل خاتمة الآية والربط بينها وبين الآية على أن الله لا يؤاخذ بالغفلة عن شكر نعمه، والقصور عن إحصائها.

ولم يقتصر الشوكاني على الاستنباط بما تقدم في هذا الفصل من دلالات؛ إذ استنبط بقواعد ودلالات أخرى، وبيانها على النحو التالي:

[دلالات عامة]

[١ - دلالة عدم الذكر. ولم يستنبط بها سوى مرة واحدة.]

ومثاله: ما استنبطه الشوكاني من قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)} [التوبة: ٣١] حيث قال -رحمه الله-: (قوله: {وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} معطوف على {وَرُهْبَانَهُمْ} رهبانهم، أي: اتخذه النصارى ربا معبودا. وفيه إشارة إلى أن اليهود لم يتخذوا عزيرا ربا معبودا) (٢). ووجهه: أن الله تعالى ذكر أن اليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، ثم ذكر اتخاذ النصارى عيسى -عليه السلام- ربا معبودا؛ فدل بدلالة عدم الذكر على أن اليهود لم يتخذوا عزيرا ربا معبودا.


(١) فتح القدير ج ٣/ ص ١٥٤. وانظر: الاستنباط رقم: ١٢٥.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٣٥٣. وانظر: الاستنباط رقم: ٩٠.

<<  <   >  >>