للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} أي: لكل من الجن والإنس درجات متفاوتة مما عملوا، فنجازيهم بأعمالهم كما قال في آية أخرى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٩)} [الأحقاف: ١٩]. وفيه دليل على أن المطيع من الجن في الجنة، والعاصي في النار) (١).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني أن المطيع من الجن في الجنة كما أن العاصي منهم في النار (٢).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر خطابه يوم القيامة للجن والإنس بقوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} ثم أخبر أن لكل درجات مما عملوا، أي: من الجن والإنس؛ فدل ذلك على أن الجن كالأنس سواء في العذاب والثواب، فالمطيع من الجن في الجنة كما أن العاصي منهم في النار.

قال القرطبي: (قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} أي: من الجن والإنس كما قال -في آية أخرى-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨)} [الأحقاف: ١٨] ثم قال: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٩)} [الأحقاف: ١٩] وفي هذا ما يدل على أن المطيع من الجن في الجنة، والعاصي منهم في النار كالإنس سواء، وهو أصح ما قيل في ذلك فاعلمه) (٣).

والاستنباط هنا متوجه لدخول الجن الجنة؛ لأن هذا هو موضع الخلاف بين العلماء، أما دخولهم النار فقد نص عليه القرآن. قال الشوكاني عند تفسير سورة الجن: (وقد اختلف أهل العلم في دخول مؤمني الجن الجنة كما يدخل عصاتهم النار؛ لقوله في سورة تبارك: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥)} [الملك: من الآية ٥] (٤)، وقول الجن فيما سيأتي في هذه السورة: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)} [الجن: ١٥]، وغير ذلك من الآيات، فقال الحسن: يدخلون الجنة. وقال مجاهد: لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار. والأول أولى؛ لقوله في سورة الرحمن: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (٧٤)} [الرحمن: ٧٤]، وفي سورة الرحمن آيات غير


(١) فتح القدير ج ٢/ ص ١٦٣.
(٢) استنبط الشوكاني هذا الاستنباط أيضا من سورة الأحقاف: ٣١. وكذلك من قوله تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (٥٦)} [الرحمن: ٥٦]، فقال: (وفي هذه الآية، بل في كثير من آيات هذه السورة دليل أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا بالله سبحانه، وعملوا بفرائضه، وانتهوا عن مناهيه). فتح القدير ج ٥/ ص ١٤١. وسيأتي بيانه في موضعه.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ج ٧/ ص ٧٨.
(٤) وتمامها: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥)}.

<<  <   >  >>