للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذا الاستنباط تنبيه على حفظ العهود، والوفاء بالمواثيق حتى مع الكفار المُعَاهَدِين، وأن مخالفة هذه العهود ليست من التقوى في شيء لمن كان يظن ذلك.

٨٨ - حسم أطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم (١).

قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)} التوبة: ١٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي قوله: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)} حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم، فإن الموصوفين بتلك الصفات إذا كان اهتداؤهم مرجوا فقط، فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشيء من تلك الصفات.

وقيل: عسى من الله واجبة. وقيل: هي بمعنى خليق أي: فخليق أن يكونوا من المهتدين. وقيل: إن الرجاء راجع إلى العباد) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني من الآية حسم أطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى لما ذكر الذين يعمرون المساجد بأوصافهم الطيبة ذكر اهتداءهم بصيغة التوقع (عسى)؛ فدلت مناسبة لفظ (عسى) على حسم أطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم؛ فإذا كان اهتداء المؤمنين مرجوا فقط، فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشيء من تلك الصفات.

قال البيضاوي: ({فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)} ذكره بصيغة التوقع قطعا لأطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم، وتوبيخا لهم بالقطع بأنهم مهتدون، فإن هؤلاء مع كمالهم إذا كان اهتداؤهم دائرا بين عسى ولعل فما ظنك بأضدادهم) (٣).

وممن قال بهذا الاستنباط: الزمخشري، والرازي، والبيضاوي، وأبو السعود، والآلوسي، والقنوجي. (٤).

ويتنبه إلى أن هذا الاستنباط لا يعارضه القول الحق بأن عسى من الله واجبة، فعسى من الله واجبة باعتبار عسى منسوبة إلى الله (٥). وإنما المقصود هنا النظر إلى الرجاء باعتبار ما يكون في قلب المخاطَب (٦)، وتأمل مناسبة مجيء كلمة الإطماع (عسى) -التي لا تعطي الإنسان يقينا بالوقوع- في هذا المقام دون الألفاظ الدالة على القطع.


(١) وهو استنباط عقدي.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ٣٤٤.
(٣) أنوار التنزيل ج ٣/ ص ١٣٦.
(٤) انظر: الكشاف ج ٢/ ص ٢٤٣، والتفسير الكبير ج ١٦/ ص ١٠، وأنوار التنزيل ج ٣/ ص ١٣٦، وإرشاد العقل السليم ج ٤/ ص ٥١، وروح المعاني ج ١٠/ ص ٦٦، وفتح البيان ج ٥/ ص ٢٥٥.
(٥) قال السمعاني: (وعسى من الله واجب؛ لأنه للإطماع، والله تعالى إذا أطمع عبدا أوجب له، وأوصله إليه). تفسير القرآن العزيز ج ١/ ص ٤٧٠.
(٦) أي هي على معتقد البشر، أي: ظنكم بمن هذه حالة ترجى عفو الله عنه. انظر: المحرر الوجيز ص ٤٧٢.

<<  <   >  >>