للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٤٤ - الفاحشة من ذرية الصالحين مما لا ينبغي أن تكون (١).

قال تعالى: {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)} مريم: ٢٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: ({مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)} هذا فيه تقرير لما تقدم من التعيير والتوبيخ، وتنبيه على أن الفاحشة من ذرية الصالحين مما لا ينبغي أن تكون) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- أن الفاحشة من ذرية الصالحين مما لا ينبغي أن تكون.

ووجه الاستنباط: أن قوم مريم لما أتتهم تحمل عيسى -عليه السلام- أنكروا عليها ذلك، وعدوه أمرا فريا، ثم وصفوا أبويها بالصلاح، فنفوا عن والدها أن يكون امرأ سوء، ونفوا عن أمها أن تكون بغيا، وذلك لما استقر في نفوسهم من أن الفاحشة مما يبعد عن ذرية الصالحين؛ فدل ذلك على أن الفاحشة من ذرية الصالحين مما لا ينبغي أن تكون؛ لأن ذرية الصالحين لا يظن بها غالبا إلا أن تكون على نهج والديهم.

قال أبو حيان: (وفي هذا دليل على أن الفروع غالبا تكون زاكية إذا زكت الأصول، ويُنكر عليها إذا جاءت بضد ذلك) (٤).

وقال ابن عادل: (ووُصف أبواها بالصَّلاح، وحينئذ يصيرُ التوبيخُ أشدّ؛ لأنَّ من كان حال أبويه وأخيه هذا الحال يكونُ صدور الذَّنْبِ منه أفحش) (٥).

وممن قال بهذا الاستنباط: الرازي، والبيضاوي، وأبو حيان، وابن عادل- كما تقدم-، وأبو السعود، والقنوجي، والهرري. (٦).

وفي هذا الاستنباط تحذير لكل من رزق والدينِ صالحينِ من أن يخالف نهجهما؛ فإنه لا عذر له في ذلك وقد هيأ الله له من أسباب الصلاح أقواها.


(١) وهو استنباط تربوي، واستنباط في علوم القرآن (قصص الأنبياء)، وهو من اعتبار القرائن.
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ٣٣٢.
(٣) واستنبط القصاب أن الإشارة إذا قامت مقام الكلام في الإفهام فليست بكلام؛ لأن مريم نذرت ألا تكلم شيئا فلم تخرجها الإشارة إلى ابنها عيسى -عليه السلام- من النذر، ولا عدت كلاما يخرجها منه. انظر: نكت القرآن ج ٢/ ص ٢٣٩.
(٤) البحر المحيط ج ٦/ ص ٢٣١.
(٥) اللباب ج ١٣/ ص ٥٤.
(٦) انظر: التفسير الكبير ج ٢١/ ص ١٧٧، وأنوار التنزيل ج ٤/ ص ١٣، والبحر المحيط ج ٦/ ص ٢٣١، و اللباب ج ١٣/ ص ٥٤، وإرشاد العقل السليم ج ٥/ ص ٢٦٣، وفتح البيان ج ٨/ ص ١٥٥، وحدائق الروح والريحان ج ١٧/ ص ١٣٥.

<<  <   >  >>