للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١١٥ - جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف ذلك شرعا ثابتا (١).

قال تعالى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)} يوسف: ٧٦.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وفي الآية دليل على جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف ذلك شرعا ثابتا) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٣) -رحمه الله- جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف ذلك شرعا ثابتا.

ووجه الاستنباط: أن يوسف -عليه السلام- وضع السقاية (٤) في رحل أخيه حيلة ليتوصل بذلك لبقائه عنده؛ فدل بدلالة الاقتداء بأفعال الأنبياء على جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما

صورته صورة الحيلة والمكيدة، ويشترط لذلك ألا يخالف شرعا ثابتا.

قال ابن العربي: ({كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} فيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف الشريعة ولا هدمت أصلا، خلافا لأبي حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول، وخرمت التحليل) (٥).

فأشار ابن العربي إلى حكم نوع آخر من الحيل هي المخالفة للشرع، فهذه هي المحرمة.

قال القصاب: الحيل المنهي عنها المعدودة من أبي حنيفة ذما هي فيما أحل حراما أو حرم حلالا (٦).

وهذا النوع من الحيل -المحرمة- قال عنه ابن القيم: (وتجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، فإن الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلة، فأين من يمنع من الجائز خشية الوقوع في المحرم إلى من يعمل الحيلة في التوصل إليه) (٧).


(١) وهو استنباط فقهي.
(٢) فتح القدير ج ٣/ ص ٤٣.
(٣) واستنبط غيره من قوله تعالى: {فِي دِينِ الْمَلِكِ} جواز تسمية قوانين ملل الكفر دينا. انظر: محاسن التأويل ج ٦/ ص ٢٠٤.
(٤) قال ابن عطية: السقاية الإناء الذي به يشرب الملك، وبه كان يكيل الطعام للناس. هكذا نص جمهور المفسرين ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك وابن زيد. المحرر الوجيز ص ١٠٠٨. فالسقاية إناء يسقى به، والصواع وعاء للكيل؛ ولأنهم كانوا يشربون الخمر بالمقدار سمي بهذا، وذاك. انظر: التحرير والتنوير ج ١٢/ ص ٩٦.
(٥) أحكام القرآن ج ٣/ ص ٤٨.
(٦) نكت القرآن ج ١/ ص ٦٢٣.
(٧) إعلام الموقعين ج ٣/ ص ١٥٩ وما بعدها.

<<  <   >  >>