للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وممن قال بهذا الاستنباط: أبو السعود، والبروسوي، والقنوجي، والهرري. (١).

١٩٥ - على العباد ذكر المشيئة في كل كلام (٢).

قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (٢٧)} الفتح: ٢٧.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وقوله: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} تعليق للعدة بالمشيئة؛ لتعليم العباد لما يجب أن يقولوه، كما في قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤]) (٣).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني (٤) -رحمه الله- على العباد ذكر المشيئة في كل كلام.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى خاطب عباده بما يحب أن يقولوه (٥)، فعلق أمرا متحقق الوقوع بالمشيئة؛ فدل هذا التعليق، وبدلالة الاقتداء بأفعال الله تعالى على أن على العباد ذكر المشيئة في كل كلام.


(١) انظر: إرشاد العقل السليم ج ٨/ ص ١٠٥، وروح البيان ج ٩/ ص ١٥، وفتح البيان ج ١٣/ ص ٩١، وحدائق الروح والريحان ج ٢٧/ ص ٢٣٦.
(٢) وهو استنباط تربوي، وهو استنباط في الدعوات والذكر.
(٣) فتح القدير ج ٥/ ص ٥٥.
(٤) واستنبط غيره أن في الآية حجة لمن يستثني في الإيمان ولا يكون شكا منه. انظر: نكت القرآن ج ٤/ ص ١٦٤.
(٥) وذكر القرطبي أوجها أخرى لذكر المشيئة في الآية، فقال: قال ابن كيسان: إنه حكاية ما قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه، خوطب في منامه بما جرت به العادة، فأخبر الله عن رسوله أنه قال ذلك، ولهذا استثنى تأدبا بأدب الله تعالى حيث قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. وقيل: خاطب الله العباد بما يحب أن يقولون كما قال: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}. وقيل: استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون، قاله ثعلب. وقيل: كان الله علم أنه يميت بعض هؤلاء الذين كانوا معه بالحديبية، فوقع الاستثناء لهذا المعنى، قاله الحسين بن الفضل. وقيل: الاستثناء من {آمِنِينَ} وذلك راجع إلى مخاطبة العباد على ما جرت به العادة. وقيل: معنى إن {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} إن أمركم الله بالدخول. وقيل: أي: إن سهل الله. وقيل: {إِنْ شَاءَ اللَّهُ} أي: كما شاء الله. وقال أبو عبيدة: إن بمعنى إذ، أي: إذ شاء الله كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ … مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)} [البقرة: ٢٧٨] أي: إذ كنتم. وفيه بعد؛ لأن إذ في الماضي من الفعل، وإذا في المستقبل، وهذا الدخول في المستقبل فوعدهم دخول المسجد الحرام وعلقه بشرط المشيئة، وذلك عام الحديبية فأخبر أصحابه بذلك فاستبشروا، ثم تأخر ذلك عن العام الذي طمعوا فيه، فساءهم ذلك واشتد عليهم، وصالحهم ورجع، ثم أذن الله في العام المقبل فأنزل: الله {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} وإنما قيل له في المنام لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله، فحكى في التنزيل ما قيل له في المنام، فليس هنا شك كما زعم بعضهم أن الاستثناء يدل على الشك، والله تعالى لا يشك، ولتدخلن تحقيق فكيف يكون شك فإن بمعنى إذا. انظر: الجامع لأحكام القرآن ج ١٦/ ص ٢٤٦. وذكر الرازي أوجها أخرى في التفسير الكبير ج ٢٨/ ص ٩١.

<<  <   >  >>