للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويمكن تعريف الاستنباط في استعمال المفسرين بأنه استخراج ما وراء ظواهر معاني الألفاظ من الآيات القرآنية. والمراد بظواهر معاني الألفاظ: ما يتوقف فهم القرآن عليها من المعاني المباشرة (١).

[تنبيهات]

١ - لابد أن يكون في دلالة الآية على المعنى المستنبط نوع خفاء، ولا يلزم أن يكون الخفاء شديدا، بل الخفاء هنا متفاوت، فقد يكون شديدا فلا يظهر إلا بعد تأمل طويل، وتدبر كثير، وقد يكون أقل من ذلك.

ولذا نجد بعض الاستنباطات قريبة المأخذ تتضح بلا إعمال ذهن، وقد يدق مسلكها ويخفى؛ فتحتاج إلى تفهم وإعمال ذهن (٢). والمهم هنا التنبه إلى أن قربها لا ينفي كونها استنباطات.

فالمعاني المستنبطة تتفاوت في القرب والبعد من معنى الآية، كما تتفاوت في الظهور والخفاء، وكل ذلك بحسب المعنى المستنبط، ووجه اتصاله بالمعنى الظاهر. وهذا التفاوت في المعاني المستنبطة يستلزم التنبيه على أنه لا يمكن عد الاستنباط معنى للآية على الاستقلال مهما اشتد قربه وظهوره من المعنى المباشر؛ لأنه تابع للمعنى الأصلي، ومترتب عليه، والتفسير شرط في وجوده ولا عكس (٣).

ويمثل للاستنباط القريب باستنباط تحريم ضرب الوالدين من قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)}.

قال السيوطي (٤): (وأشار بالنهي عن ذكر (أف) إلى تحريم ما فوقه بطريق الأولى) (٥).


(١) معالم الاستنباط في التفسير ص ٢١.
(٢) انظر: مفهوم التفسير، والتأويل، والاستنباط، والتدبر، والمفسر ص ١٦٥.
(٣) انظر: معالم الاستنباط في التفسير ص ٤٤. وفيه قال أيضا: باستعراض أيٍّ من الكتب المفردة في الاستنباطات القرآنية يتضح ذلك بلا خفاء؛ فبينما ترى استنباطا على التمام، إذ يتلوه آخر موغلا في الإبهام، ثم يمر بك استنباط في القرب والظهور كأنه المعنى المباشر للفظ، ويتبعه آخر في البعد والخفاء بما لا يكاد يسفر لك عن وجه اتصاله بالآية.
(٤) جلال الدين، أبو الفضل، عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر الأسيوطي، العلامة المشهور في الآفاق، حافظ، مؤرخ، أديب، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة، له نحو ستمائة مصنف في عدة فنون منها: "الإتقان في علوم القرآن"، و"الدر المنثور في التفسير المأثور"، و"لباب النقول في أسباب النزول"، ختم القرآن وهو دون ثمان سنوات، توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة للهجرة. انظر ترجمته لنفسه في كتابه: حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ج ١، ص ١٥٥ - ١٦١، وشذرات الذهب ج ٨، ص ٥١.
(٥) الإكليل ج ٢/ ص ٩١٤،

<<  <   >  >>