للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٤ - حجية قاعدة سد الذرائع (١).

قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨)} الأنعام: ١٠٨.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وهى أصل أصيل في سد الذرائع، وقطع التطرق إلى الشبه) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني من الآية حجية قاعدة سد الذرائع (٣).

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى نهى عن سب آلهة المشركين، وهو جائز في ذاته، لكنه ذريعة للمشركين ليسبوا الله عدوا بغير علم؛ فدل ذلك على حجية قاعدة سد الذرائع بدلالة تأمل أفعال الله تعالى، والاقتداء به تعالى في أوامره ونواهيه (٤).

قال الطوفي: يحتج بها على سد الذرائع، وحسم مواد الفساد، إذ كان معنى الآية لا تسبوا آلهتهم فيجعلوا ذلك وسيلة وذريعة إلى سب إلهكم. ونظيره قوله تعالى: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}، وقاعدة سد الذرائع عظيمة، وفروعها كثيرة (٥).

وممن قال بهذا الاستنباط: ابن الفرس، والقرطبي، والطوفي-كما تقدم-، والقنوجي، وابن عاشور، ومحمد أبو زهرة (٦).

وهذه القاعدة تندرج تحت قاعدة الوسائل والمقاصد، فهذه القاعدة شعبة من قاعدة إعطاء الوسيلة حكم المقصد خاصة بوسائل حصول المفسدة (٧).

وقد استنبط السعدي من الآية ما يدل على القاعدة العامة (للوسائل حكم المقاصد)، فقال: (وفي هذه الآية الكريمة دليل للقاعدة الشرعية وهي أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها، وأن وسائل المحرم ولو كانت جائزة تكون محرمة إذا كانت تفضي إلى الشر) (٨).

٧٥ - المطيع من الجن في الجنة، والعاصي في النار (٩).

قال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ … يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا … كَافِرِينَ (١٣٠) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)} الأنعام: ١٣٠ - ١٣٢.


(١) وهو استنباط أصولي.
(٢) فتح القدير ج ٢/ ص ١٥٠.
(٣) واستنبط الشوكاني هذا الاستنباط من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)} [البقرة: ١٠٤] وقد تقدم بيانه في موضعه.
(٤) انظر: منهج الاستنباط من القرآن ص ١٨٨.
(٥) انظر: الإشارات الإلهية ج ٢/ ص ١٩١، ١٩٢.
(٦) انظر: أحكام القرآن ج ٣/ ص ١٥، والجامع لأحكام القرآن ج ٧/ ص ٥٦، والإشارات الإلهية ج ٢/ ص ١٩١، ١٩٢، وفتح البيان ج ٤/ ص ٢١٨، والتحرير والتنوير ج ٦، ص ٢٦٤، وزهرة التفاسير ج ٥/ ص ٢٦٢٦.
(٧) التحرير والتنوير ج ٦/ ص ٢٦٥.
(٨) تيسير الكريم الرحمن ص ٢٦٨.
(٩) وهو استنباط عقدي.

<<  <   >  >>