للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٩ - تسمية بعض النقم آلاء لأنها مشتملة على العبر والمواعظ، ولكون فيها انتقام من العصاة وفي ذلك نصرة للأنبياء والصالحين (١).

قال تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)} النجم: ٥٥.

قال الشوكاني -رحمه الله-: (وسمى هذه الأمور المذكورة آلاء أي نعما مع كون بعضها نقما لا نعما؛ لأنها مشتملة على العبر والمواعظ، ولكون فيها انتقام من العصاة وفي ذلك نصرة للأنبياء والصالحين) (٢).

[الدراسة]

استنبط الشوكاني-رحمه الله- أن وجه تسمية بعض النقم آلاء أنها مشتملة على العبر والمواعظ، ولكون فيها انتقام من العصاة وفي ذلك نصرة للأنبياء والصالحين.

ووجه الاستنباط: أن الله تعالى ذكر قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)} في سياق التهديد، فإن الله تعالى قبلها قال: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (٥٠) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (٥٤) وقال بعدها:

{هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (٥٨) فدل بدلالة الربط بين قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (٥٥)} وما اتصل بها من آيات، أو بدلالة السياق (٣) على أن تسمية بعض النقم آلاء أنها مشتملة على العبر والمواعظ، ولكون فيها انتقام من العصاة وفي ذلك نصرة للأنبياء والصالحين؛ إذ لابد أن يكون بين ذكر الآلاء هنا وذكر التهديد رابط يربطهما.

قال الزمخشري: (وقد عدد نعما ونقما، وسماها كلها آلاء من قِبَل ما في النقمة من المزاجر والمواعظ للمعتبرين) (٤).

وممن قال بهذا الاستنباط: الزمخشري-كما تقدم-، والبيضاوي، وأبو السعود، والآلوسي، والقنوجي. (٥).

ومما يؤيد المعنى المستنبط هنا أن ذكر الآلاء تكرر في سورة الرحمن بعد الشدائد، والتهديد، والتخويف، فتكرر قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢)} في مواطن التهديد والتخويف، ومن ذلك: قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٢)} [الرحمن: ٣١ - ٣٢]، وقوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٤)} [الرحمن: ٣٣ - ٣٤].


(١) وهو استنباط في علوم القرآن (لتعلقه بالمناسبة).
(٢) فتح القدير ج ٥/ ص ١١٧.
(٣) لأن السباق، واللحاق تهديد، فذكر الآلاء بينهما دال على أن التهديد نعمة.
(٤) الكشاف ج ٤/ ص ٤٢٩.
(٥) انظر: الكشاف ج ٤/ ص ٤٢٩، وأنوار التنزيل ج ٥/ ص ٢٦١، وإرشاد العقل السليم ج ٨/ ص ١٦٥، وروح المعاني ج ٢٧/ ص ٧١، وفتح البيان ج ١٣/ ص ٢٧٨.

<<  <   >  >>